للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إعمال إن المخففة وإهمالها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخففت إنّ فقل العملُ وتلزم اللام إذا ما تهمل وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا] قوله: (وخففت): خفف: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفعل مبني لما لم يسم فاعله.

إنَّ: نائب فاعل باعتبار لفظها.

فقل العمل: الفاء عاطفة وهي مفرعة على ما سبق، أو سببية.

العمل: (أل) للعهد الذهني، أي: فقل عملها، فأل هنا نائبة مناب الضمير، والعمل: فاعل.

وتلزم اللام: اللام هنا يحتمل أن تكون (أل) التي للجنس، ويحتمل أن تكون للعهد، فإن قلنا: إنها للعهد، فاللام هنا لام الابتداء التي تدخل على خبر إنَّ، وإن قلنا: إنها للجنس، فاللام هنا لام جديدة استجلبت للفرق بين إنْ النافية وإنْ المخففة، وعلى كل حال فاللام فاعل.

إذا: شرطية.

ما: زائدة.

تهمل: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر يعود على إن.

وقد قلنا: إن (ما) زائدة؛ لأنها وقعت بعد إذا، وقد قيل: يا طالباً خذ فائدة بعد إذا ما زائدة يقول رحمه الله: (وخففت إن) الذي خففها هم العرب لا النحويون؛ لأن النحويين لا يمكن أن يتصرفوا في اللغة العربية، بل يحللون اللغة العربية ولكن لا يتصرفون فيها، فالمخفف هم العرب.

(فقل العمل) أي: قل عملها، أي: وكثر إهمالها، فإذا قلَّ العمل كثر الإهمال، فنستفيد من ذلك: أنه إذا خففت (إنَّ) جاز فيها وجهان: الإعمال وهو الأقل، والإهمال وهو الأكثر.

فإن أعملت فالأمر ظاهر، تقول: إنْ زيداً قائمٌ، كقولك: إنَّ زيداً قائمٌ، وفي الإهمال تقول: إنْ زيدٌ قائمٌ.

يقول المؤلف: (وتلزم اللام إذا ما تهمل) فيجب أن تقول: إنْ زيدٌ لقائم، أما إذا أعملت فلا تلزم؛ وذلك لأن لزوم اللام من أجل الفرق بينها وبين (إنْ) النافية، فإذا أعملت زال اللبس.

فإذا قلت مثلاً: إن زيدٌ قائمٌ، لم يدر هل المقصود إثبات قيامه أو نفيه، لكن إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، أُثبِتَ القيام وزال الإشكال.

ففي المثال الأول يجب أن تأتي باللام فتقول: إن زيد لقائمٌ، لأجل أن تفرق بين (إنْ) النافية و (إنْ) المخففة، ووجه ذلك: أن النافية لا تأتي معها اللام؛ لأن اللام للتوكيد، و (إنْ) النافية للنفي، فلا يمكن أن تأتي اللام المؤكدة مع النفي.

إذاً: أفادنا المؤلف رحمه الله أن (إنَّ) إذا خففت جاز إعمالها وإهمالها؛ لأنه قال: (فقلَّ العمل)، وأفادنا في الشطر الثاني: أنها إذا أهملت وجب اقتران خبرها باللام، وتسمى: اللام الفارقة؛ لأنها تفرق بين (إنْ) النافية و (إنْ) المخففة.

ثم هل اللام الفارقة هي لام الابتداء أم لام فارقة جديدة؟ خلاف لا يهمنا؛ لأن هذا الخلاف ليس تحته شيء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمداً] قوله: (ربما) يحتمل أن تكون للتكثير، ويحتمل أن تكون للتقليل.

استغني عنها: أي: عن اللام، واستغني: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله.

عنها: جار ومجرور في محل نائب الفاعل.

إن بدا: إن: شرطية، وبدا: فعل الشرط بمعنى: ظهر.

ما: فاعل بدا.

ناطق: مبتدأ.

أراده: الجملة خبر المبتدأ.

معتمداً: حال من فاعل أراده، وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول.

والمعنى: ربما استغني عن اللام فلم تأت مع الإهمال إذا اتضح المعنى؛ لكن بأي شيء يتضح المعنى؟ يتضح المعنى بالقرينة، مثال ذلك قول الشاعر: ونحن أباة الضيم من آل مالك وإنْ مالك كانت كرام المعادن (أباة) جمع أبيّ، وهو الممتنع، يعني: أنا من الممتنعين الذين لا يرضون بالضيم.

الشاهد: قوله: (وإنْ مالك كانت كرام المعادن)، (إنْ) هذه مخففة من الثقيلة، وهي مهملة، وليس في خبرها اللام، فكيف لم يأت في خبرها اللام مع أنها مهملة؟ نقول: لأن المعنى واضح، ولو جعلنا (إنْ) بمعنى (ما) النافية، لكان هناك تناقض بين أول الكلام وآخره، ففي البداية يفتخر بأنه من آل مالك، ثم يقول: وما مالك كانت كرام المعادن! فلا يمكن هذا؛ إذ كيف يفتخر بأنه من آل مالك ثم يقدح في مالك، ويقول: إنها ليست كريمة المعادن؟! إذاً: يتعين أنَّ (إنْ) هنا مخففة من الثقيلة.

ولو قال قائل: إنْ موسى فاهم، فنقول: هذا لا يجوز، حتى ولو أعملت؛ لأن الفتحة لا تظهر على موسى، فيكون قول ابن مالك: (إذا ما تهمل) مقيداً بما إذا كانت تظهر علامة الإعراب على الاسم، أما إذا كانت لا تظهر فإنه لا يتبين، حتى ولو أعملت لا يتبين، فلابد حينئذٍ من اللام.

وكذلك أيضاً إذا كان اسمها مثنى ولزمنا فيه لغة من يلزمه الألف مطلقاً، فهذا لا بد من اللام لعدم الاتضاح.

وكذلك إذا كان الاسم مبنياً فلا بد من اللام.

والحقيقة أن هذه الصور وإن كان الذي يبدو للإنسان أن ابن مالك لم يذكرها لكنه ذكرها بقوله: [وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا].

ومعلوم أن ما لا تظهر عليه الحركات لا يدرى ما أراده الناطق، وكذلك إذا كان مبنياً، وكذلك إذا كان إعرابه لا يختلف فيه المرفوع والمنصوب، فلابد أن يقترن الخبر باللام حتى يتضح المعنى، إلا إذا وجدت قرينة كافية.

والخلاصة: أن العرب يخففون إنَّ التي للتوكيد، وحينئذٍ يجوز إعمالها وإهمالها، والأكثر الإهمال، وإذا أهملت فيجب اقتران خبرها باللام ما لم يظهر المعنى، فإن ظهر المعنى بقرينة حالية أو لفظية جاز حذف اللام، والقرينة الحالية المعنوية كقول القائل: نحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن والقرينة اللفظية يمكن أن نمثل لها بقولنا: إنْ موسى قائم وعمراً، فهذه قرينة لفظية، وكذلك قول الشاعر: إنِ الحق لا يخفى على ذي بصيرة.

فـ (إنْ) هنا مخففة ولابد؛ لأنه لا يصح أن نقول: ما الحق لا يخفى على ذي بصيرة؛ لأن (لا) نافية و (ما) نافية، ولا يجتمع نافيان على حكم واحد للتضاد، ولهذا يعتبر العلماء هذه قرينة لفظية، بخلاف ما إذا قلت: إنِ الحق؛ لأن (إنْ) المخففة من الثقيلة للإثبات، والمعنى: إنَّ الحق لا يخفى على ذي بصيرة.