للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التنازع في العمل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التنازع في العمل.

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل فللواحد منهما العمل والثان أولى عند أهل البصره واختار عكساً غيرهم ذا أسره] ورود عامل على معمولين ليس بغريب، وقد مر في باب ظن وأخواتها -مثلاً- عامل واحد وارد على معمولين، مثل: ظننت الرجل قائماً، فتجد أن ظن هنا وردت على معمولين: الرجل، وقائماً، كذلك باب كسا وأعطى تقول: أعطيت المجتهد جائزة، فأعطى واردة على معمولين: المجتهد وجائزة.

وقد يتعدى عامل واحد إلى ثلاثة معمولات، لكن هل يرد عاملان على معمول واحد؟ هذا ما نحن فيه في هذا الباب: أنه يتوارد معمولان على معمول واحد.

ويسمى هذا: باب التنازع في العمل، فكأن هذين العاملين تنازعا العمل فكل واحد يقول: العمل لي، فما الحكم؟ قبل أن نبدأ بالحكم نأتي بالمثال، تقول: أكرمت ووعظت زيداً، (زيداً) هنا مفعول لأكرم ولوعظ، فكل من العاملين يطلب زيداً فمن نرضي منهما؟ هل نقول: إنه مفعول لأكرم أو مفعول لوعظ؟ قال المؤلف رحمه الله: إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل فللواحد منهما العمل قوله: (عاملان): إعرابها عند الكوفيين مبتدأ خبره (اقتضيا)؛ لأن الكوفيين يجوزون أن يلي أداة الشرط اسم.

والبصريون يقولون: لا يمكن أن يلي أداة الشرط اسم، فيقولون: عاملان: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن اقتضى عاملان في اسم عمل.

وقوله (في اسم): متعلق باقتضى.

عمل: مفعول اقتضى، ولكنه لم تظهر عليه الفتحة، نقول: هذا له وجهان: الوجه الأول: أن يكون المؤلف رحمه الله مشى على لغة ربيعة؛ لأن ربيعة يقفون على المنصوب بالسكون فيقولون: أكرمت زيد، ولا يقولون: أكرمت زيداً، بخلاف بقية العرب.

الوجه الثاني: المؤلف لم يقف عليه بالألف من أجل الروي؛ لأن الشعر ضرورة تصد الإنسان عما يريد.

قبل: صفة لعاملان، أي: أنهما سبقا عليه.

(فللواحد منهما العمل) أي: وليس للاثنين؛ لأنه لا يمكن أن يرد عاملان على معمول واحد، فالعمل لواحد فقط.

وظاهر كلام النحويين عدم ذلك لو كان العاملان مترادفين، مثل أن تقول: قام ووقف زيد، فلا يمكن أن تقول: زيد فاعل لقام ووقف؛ لأنهما عاملان لا يمكن أن يكون لهما معمول واحد، بل لا بد أن تجعل العمل لواحد منهما.

فما الذي يكون له العمل السابق أو اللاحق؟ كل منهما له مزية، فالسابق له فضل التقدم، واللاحق له فضل التوالي مع المعمول، ومن ثم اختلف النحويون في ذلك، فقال المؤلف: (والثانِ أولى عند أهل البصره واختار عكساً غيرهم ذا أسره) الأسرة: الجماعة أو القوة.

إذاً: اختلف النحويون في هذه المسألة: فمنهم من قال: العمل للأول، ومنهم قال: العمل للثاني.

فالذين قالوا: العمل للأول هم الكوفيون؛ لتقدمه، والذين قالوا: العمل للثاني هم البصريون؛ لقربه من المعمول.

قوله: (والثان أولى عند أهل البصرة): الثان: مبتدأ.

والثان هنا أصله بالياء، ولهذا نقول: إنه مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف.

وأولى: خبره.

عند أهل البصرة: عند: متعلق بأولى، وهو ظرف مضاف إلى (أهل)، وأهل: مضاف، والبصرة: مضاف إليه.

واختار: الواو: حرف عطف، اختار: فعل ماض.

عكساً: مفعول به.

غيرهم: غير: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والضمير في محل جر مضاف إليه.

ذا أسرة: حال من غيرهم، أي: حال كونهم.

مثال ذلك: قام وقعد زيد، فالبصريون يقولون: قام: فعل ماض، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو يعود على زيد.

قعد: فعل ماض.

وزيد: فاعل.

والكوفيون يقولون: قام: فعل ماض، وقعد: فعل ماض أيضاً، وفي قعد ضمير مستتر يعود على (زيد).

وزيد: فاعل قام؛ لأنه الأول، لأننا إذا قلنا: إن (زيد) فاعل (قعد) فرتبته التقديم على الضمير المستتر في قعد، فيكون الضمير هنا عائداً على متأخر لفظاً متقدم رتبة.

فالبصريون يقولون: في (قام) ضمير عائد على زيد، وزيد متأخر لفظاً ورتبة، فمن هذه الناحية يكون الكوفيون أقرب إلى القواعد من البصريين؛ لأن الضمير عندهم عاد على متأخر لفظاً متقدم رتبة، وهذا شائع كثيراً في اللغة العربية، وهؤلاء عاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا قليل في اللغة العربية، لكنه يأتي أحياناً أن يكون الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، وقد قال فيه ابن مالك رحمه الله: (وشذ نحو زان نوره الشجر).