للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب حذف عامل المصدر المؤكد لنفسه والمؤكد لغيره]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنه ما يدعونه مؤكدا لنفسه أو غيره فالمبتدا نحو له علي ألف عرفا والثان كابني أنت حقاً صرفا] قوله: (ومنه) أي: من المصادر التي يجب حذف عاملها (ما يدعونه مؤكداً لنفسه أو) مؤكداً (لغيره)، وهو ما وقع بعد جملة يؤكدها.

فإن كانت الجملة لا تحتمل سواه سمي مؤكداً لنفسه، وإن كانت الجملة تحتمله وغيره سمي مؤكداً لغيره، وهذا معنى قوله: (ما يدعونه مؤكداً لنفسه أو غيره).

فالمؤكد هو الذي يأتي بعد جملة هي بمعناه، ثم إن كانت لا تحتمل غيره سمي مؤكداً لنفسه؛ لأنه مؤكد للجملة قبله، وهي نفس المصدر، وإن كانت تحتمله وغيره صار مؤكداً لغيره، ومعنى أنه مؤكد لغيره: أنه مانع غيره أن تكون الجملة بمعناه.

وقد ضرب المؤلف لكل واحد مثالاً فقال: (نحو له علي ألف عرفاً) فقوله: (عرفاً) اسم مصدر بمعنى: اعترافاً، أي: له علي ألف اعترافاً.

وهذا اعتراف صريح واضح، وعليه نقول: (عرفاً) مصدر مؤكد لنفسه؛ لأنه مؤكد لجملة بمعناه لا تحتمل غيره، والفعل محذوف، والتقدير: أعترف بذلك اعترافاً، وقد حذفنا الفعل لأن الجملة بمعناه، فالفعل هو: (أعترف)، والجملة: (له علي ألف).

ولهذا نقول: لقد حذف العامل الذي هو ناصب المصدر لأن الجملة بمعناه تماماً، فلا حاجة إلى ذكره.

إعراب المثال: له: جار ومجرور خبر مقدم.

علي: جار ومجرور في موضع نصب على الحال من (ألف)، و (ألف) نكرة، ولو تأخرت (علي) عن (ألف) لصارت نعتاً لها: له ألف علي، لكن إذا تقدم النعت على النكرة جعل حالاً.

ألف: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.

عرفاً: مفعول مطلق منصوب على المفعولية المطلقة، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مؤكَّد للجملة السابقة، وعامله محذوف وجوباً.

قوله: (والثان كابني أنت حقاً صرفاً) هذا مثال للمؤكد لغيره.

قوله: (ابني أنت) يمكن أن يكون ابنه حقيقة ويمكن أن يكون ابنه غير حقيقة، أي: أنت بمنزلة ابني، فقال له: ابني، من باب الاحترام والتكريم، فلما قال: (حقاً) أكد أنه ابنه حقيقة، لكن هل الجملة التي قبله بمعناه؟ ليست بمعناه؛ لأنها تحتمل أنه ابنه حقاً، أو ابنه مجازاً؛ ولهذا يسمون هذا المصدر: مؤكداً لغيره، وتقدير الكلام: أحق ذلك حقاً، وحقاً: مصدر عامله محذوف وجوباً تقديره: أحق، أي: أثبت ذلك إثباتاً.

وإعراب المثال: ابني: خبر مقدم.

أنت: مبتدأ مؤخر، ولو كان الكلام لإنسان يسأل: هل أنا ابنك؟ فقال: ابني أنت، لقلنا: ابني: مبتدأ، وأنت: خبر، ونحن الآن لا نريد تعيين من هو ولده؛ بل نريد أن نخبر عن هذا الرجل المخاطب أنه ابنه حقاً، فعلى هذا يكون (ابني): خبراً مقدماً، و (أنت) مبتدأ مؤخراً.

وفي إعراب: (أنت) رأيان: الأول: أن: مبتدأ مؤخر، والتاء حرف خطاب، والثاني: إعرابها كلها مبتدأ.

حقاً: مصدر عامله محذوف وجوباً، منصوب على المصدرية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره.

صرفاً: هذا تأكيد آخر، والصرف: الذي لا يختلط بشيء، فمعناه: أنك ابني حقاً خالصاً.