للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوكيد]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التوكيد.

بالنفس أو بالعين الاسم أكدا مع ضمير طابق الموكدا].

يقال: التوكيد، ويقال: التأكيد، والتوكيد أفصح؛ لأنه الذي ورد في القرآن، قال الله تعالى: {وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:٩١].

ومعناه: التقوية، وهو نوعان: لفظي ومعنوي، فاللفظي تكرار اللفظ، مثل أن تقول للرجل: احرص على العلم احرص على العلم، وقد يكرر ثلاثاً كما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم -كررها ثلاثاً- حتى قال له أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟).

وأما المعنوي فذكره المؤلف في قوله: (بالنفس أو بالعين الاسم أكدا).

الاسم: مبتدأ، وجملة (أكدا) خبره، و (بالنفس أو بالعين) هذا متعلق بأُكدا.

والمؤلف رحمه الله معلم حتى بالتعبير، فقد قال في الترجمة: (التوكيد) وقال في البيت: (أكدا) ولم يقل: وكد، ما جاء بها بالواو مع أنه لو جاء بالواو لاستقام الوزن، لكن كأنه يقول: يجوز بالهمز ويجوز بالواو.

وقوله: (بالنفس أو بالعين) يؤكد الاسم بالنفس ويؤكد بالعين، فتقول: أكرمت زيداً نفسه، فـ (نفسه) تأكيد، والفائدة من التأكيد أمران: التقوية، ونفي احتمال المجاز؛ لأنك إذا قلت: أكرمت زيداً، فيحتمل أنك أكرمت والده أو قريبه أو غلامه، أو رسوله الذي أرسله إليك، فإذا قلت: نفسه، يزول هذا الاحتمال.

والعين كأن تقول: رأيت زيداً عينه، فعين هنا بمعنى (نفس) وهي توكيد، والإعراب: أكرمت: فعل وفاعل.

زيداً: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

نفسه: توكيد لزيد منصوب بالفتحة الظاهرة، ونفس مضاف والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر.

لكن اعلم أنه ليس الأمر كلما جاءت النفس والعين فهي للتوكيد، فقد تكون لغير التأكيد، كما لو قلت: أزهقت زيداً نفسه، فهذه تكون بدلاً أو عطف بيان؛ لأنك لم ترد أن تؤكد زيداً بالنفس، وإنما تريد أن تبين ما وقع عليه الفعل، وكذلك تقول: فقأت زيداً عينه، فتعرب عينه بدل بعض؛ لأنه معلوم أن زيداً نفسه لا يفقأ.

واشترط المؤلف فقال: (مع ضمير طابق المؤكدا)، فلابد أن يكون في النفس والعين ضمير يطابق المؤكد، تقول: أكرمت زيداً نفسه، ولا يجوز: أكرمت زيداً نفسها.

ويجوز: أكرمت الرجلين نفسهما؛ لأن المؤلف لم يقل لنا: إنه يجب أن يكون المؤكِّد مطابقاً للمؤكَّد، وإنما قال: (مع ضمير طابق المؤكدا).

ويجوز: أكرمت الرجال نفسهم، لأن الضمير مطابق، لكن بين المؤلف في قوله: (واجمعهما بأفعل إن تبعا ما ليس واحداً تكن متبعاً) أن النفس أو العين تأتي على وزن (أفعل) إذا كان المؤكد غير المفرد، فنفس تكون (أنفس)، وعين تكون (أعين).

إذاً: المؤلف بين لنا غير ما يفهم من كلامه الأول، بين لنا أنهما يجمعان مع غير المفرد، وكلامه يشمل المثنى والجمع، فتقول: جاء الرجلان أنفسهما، لكن لا يجوز: جاء الرجلان أنفسهم؛ لعدم مطابقة الضمير.

ويجوز: جاء الرجال أنفسهم، وجاءت النساء أنفسهن.

إذاً: فهمنا الآن أن التوكيد بالنفس وبالعين لابد أن يشتمل على ضمير يطابق المؤكد مطلقاً، أما العين والنفس فإنها في المفرد لابد أن تكون مفردة وفي الجمع لابد أن تكون مجموعة.

إذا أكد المثنى بالنفس أو بالعين فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه: الأفصح الجمع، ثم الإفراد، ثم التثنية.

تقول: جاء الرجلان أنفسهما، وجاء الرجلان نفسهما، وجاء الرجلان نفساهما.

وإذا قال قائل: كيف يصح أن نقول: نفسهما مع أنهما اثنان ونفس واحدة؟ فنقول: لأنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يكون للعموم.