للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حذف الفاء والواو مع معطوفه إذا دل عليه دليل]

قال ابن مالك: [والفاء قد تحذف مع ما عطفت والواو إذ لا لبس وهي انفردت].

يعني: تحذف الفاء مع معطوفها، ولكن بشرط أن يؤمن اللبس، فإن لم يؤمن اللبس لم يجز الحذف، وقد ذكر ابن مالك قاعدة في هذا مفيدة وهو قوله: (وحذف ما يعلم جائز) وهي قاعدة من أصول النحو.

فإذا علم المعطوف فإن الفاء قد تحذف مع معطوفها، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٥]، قالوا إن التقدير: فأفطر، فحذفت الفاء ومعطوفها، وهذا لا لبس فيه؛ لأنه من المعلوم أنه لا تجب العدة إلا أذا أفطر، أما إذا صام فلا عدة.

كذلك أيضاً الواو قد تحذف مع معطوفها؛ لكن بشرط ألا يوجد لبسٌ، ومثاله: راكب الناقةِ طَلِيحان، والتقدير: راكب الناقة والناقة طليحان، يعني: ضعيفان.

قالوا: والدليل على أنه محذوف أن (طليحان) مثنى وراكب الناقةِ مفرد، ولا يخبر بالمثنى عن المفرد، أي: فهناك شيء محذوف.

وقوله: (والواو إذ لا لبس وهي انفردت) يعني: أن الواو انفردت عن بقية حروف العطف بعطف عامل مزال قد بقى معموله، فيكون العامل محذوفاً والمعمول باقياً، ومثلوا لذلك بقول الشاعر: إذا ما الغانيات برزت يوماً وزججن الحواجب والعيونا والتزجيج معناه: أنها تقص منها حتى تكون كالزج وهو طرف الرمح، ولكن العيون لا تزجج، فيكون التقدير: زججن الحواجبَ وكحلنا العيون.

ومنه قول الشاعر: علفتها تبناً وماء بارداً حتى غدت همالة عيناها والتقدير: وسقيتها ماء بارداً، فحذف العامل وبقي المعمول.

قالوا: ومنه قوله تعالى: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:٣٥].

فقالوا: لأن زوج لا تصلح أن تعطف على الضمير في اسكن؛ لأن (اسكن) فعل أمر ولا يمكن أن يكون فاعله ظاهراً، فإذا لم يمكن أن يكون فاعله ظاهراً فإنه يعطف عليه ظاهر، والتقدير: اسكن أنت وليسكن زوجك الجنة.

وهذا لا شك أنه تكلف.

وقال بعضهم: إنه لا شاهد في قوله: (زججن الحواجب والعيون) لأن التزجيج مضمن معنى التحسين، وحينئذ لا حاجة إلى أن نقدر فعلاً.

وكذلك أيضاً قال: (علفتها تبناً وماء بارداً)، يضمن معنى: أطعمتها، والماء مطعوم، قال الله تعالى: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة:٢٤٩].

وقوله: (دفعاً لوهم اتقي (تعليل لتقدير المحذوف، يعني: إنما قدرنا المحذوف لدفع الوهم المستفاد من جعله معطوفاً على الموجود، فقوله: (زججن الحواجب والعيونا) إذا لم نقدر (وكحلنا العيون) توهم الواهم أن العيون تزجج وليس كذلك.

وقوله: (وعلفتها تبناً وماء بارداً) إذا لم نقل: (وسقيتها)، توهم السامع أن الماء يعلف، وليس كذلك.

فقول المؤلف: (دفعاً لوهم اتقي) ليس تعليلاً للحذف، وإنما هو تعليل لتقدير المحذوف.