للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الندبة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما للمنادي اجعل لمندوب وما نكر لم يندب ولا ما أبهما ويندب الموصول بالذي اشتهر كبئر زمزم يلي وامن حفر] الندبة في اللغة: الدعاء.

وفي الاصطلاح: النداء للتفجع على الشيء أو للتوجع منه.

وقد مر معنا في الفقه أن الندبة هي تعداد محاسن الميت، لكنها في النحو ليست هذا؛ لأنك لو قلت في الفقه: هذا فلان الذي يفعل كذا ويفعل كذا، سمي ندبة، لكن نقول: في اصطلاح النحو لا يسمى ندبة، فالندبة في الاصطلاح: المنادى المتفجع عليه أو المتوجع منه.

والحرف المختص بالندبة في باب النداء هو (وا)، كما قال ابن مالك فيما سبق: (ووا لمن ندب).

قوله: (ما للمنادى اجعل لمندوب)، أي: أن حكم المندوب حكم المنادى تماماً، فيبنى على الضم حيث يبنى ذاك على الضم، وينصب حيث ينصب ذاك، إلا أنه استثنى المؤلف فقال: (وما نُكر لم يندب ولا ما أبهما)، فلا تقل مثلاً: وارجلُ؛ لأن (رجل) نكرة، والنكرة غير معلوم حتى يتفجع عليه أو يتوجع منه، أما نداؤه فيجوز.

وكذلك لا يندب المبهم، مثل: أي، والذي، ومن، وما أشبه ذلك، فكل مبهم لا يندب، واستثنى المؤلف من المبهم فقال: (ويندب الموصول بالذي اشتهر) أي: بالذي اشتهر بصلته، فيستثنى من المبهم: الموصول الذي اشتهر بصلته، لأنه إذا كان مشتهراً بصلته فإنه يزول إبهامه، مثال ذلك: إذا قلت: أكرم من حفظ الألفية، وكلكم تحفظونها، فهذا مبهم، ولكن إذا قلت: أكرم من حفظ الألفية، ولم يحفظها إلا واحد فقط، فهنا تعين وإن كانت الصيغة صيغة إبهام، لكنه معلوم أنه لا يحفظها إلا واحد.

وتقول: جزى الله من أضاء لنا الطريق خيراً، ونحن نعرف أن الذي أضاء الطريق هو فلان فقط، فيصير معيناً.

فإذا كان الموصول مشهوراً بصلته جاز أن يندب؛ لأنه معين يزول فيه الإبهام، ولهذا قال: (ويندب الموصول بالذي اشتهر كبئر زمزمٍ يلي وامن حفر) (بئر زمزم) مقدم لكن نضعه مؤخراً، ولهذا قال: (يلي وامن حفر) فتقول: وامن حفر بئر زمزماه، فهذا موصول، والذي حفر بئر زمزم غير معين لمن لا يعلمه، لكننا نعلم أن الذي حفر بئر زمزم هو عبد المطلب، فيكون قولنا: وامن حفر بئر زمزم، كقولنا: واعبد المطلب، والسبب: أنه معلوم مشتهر.

ومثله ما إذا قلنا: وامن عبر نهر دجلة لقتال الفرس، فهذا مشهور، وهو سعد بن أبي وقاص، فيصح أن أندبه؛ لأنه مشهور.

ونحن الآن نتكلم عن صيغة الندب فقط، أما عن التحليل والتحريم فمعلوم أنه لا يجوز أن نندب الأموات.

إذاً: كل مبهم يصح نداؤه ولا يصح ندبته، وكل منكَّر يصح نداؤه ولا تصح ندبته.