للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاختصاص]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاختصاص الاختصاص كنداء دون يا كأيها الفتى بإثر ارجونيا].

الاختصاص بالشيء معناه: الانفراد به وقصر الحكم عليه، تقول: اختصصت بكذا بمعنى: انفردت به، ولهذا يقال: هذا مالك الخاص، وهذا بيتك الخاص، وهذا الكتاب خاص بفلان، أي: أنه منفرد به عن غيره ومقصور عليه.

ومعنى الاختصاص في الاصطلاح قريب من المعنى اللغوي؛ لأن المتكلم يقصر الحكم على نفسه، وله شروط أفادها المؤلف بقوله: الاختصاص كنداء دون يا كأيها الفتى بإثر ارجونيا (ارجونيا) أصله ارجوني، فالألف هنا للإطلاق، تقول: ارجوني أيها الفتى، و (أيها الفتى) للمتكلم، والاختصاص لا بد أن يكون مسبوقاً بشيء سواء بجملة أو بغير جملة، وأما النداء فلا يشترط، تقول: يا محمد، يا بكرُ، يا خالدُ، يا عمرو، وما أشبه ذلك.

وأما الاختصاص فلابد أن يسبقه شيء، كأن تسأل الله عز وجل أن يرحمك فتقول: يا رب اغفر لي عبدَك الضعيف، وما أشبه ذلك، فأنت تتذلل له.

الإعراب: ارجوني: ارجوا: فعل أمر مبني على حذف النون، والنون للوقاية، والياء مفعول به، والواو فاعل للجماعة، مثل قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] وارجوني على وزن ادعوني.

أيها: أي: مفعول لفعل محذوف تقديره: أخص أيها الفتى، ولا تقل: يا أيها الفتى؛ لأنها ليست منادى، وهذا من الغريب؛ لأنك لو قلت إنها منادى فإنه ليس من العادة أن الإنسان ينادي نفسه، لكن لو قلت: أخص أيها الفتى، صح، ولهذا يقولون: (أي) مفعول به مبني على الضم في محل نصب، والهاء للتنبيه.

الفتى: صفة لأي تابع للفظه، وإنما قلنا: تابع للفظه؛ لأننا لو أبدلنا الفتى الذي هو مقصور باسم صحيح الآخر وقلنا: ارجوني أيها الرجلُ، اتباعاً للفظ، فيكون الرجل صفة لأي تابعاً للفظه، فهو مبني على الضم في محل نصب.

إذاً: فهمنا أن الاختصاص مثل النداء لكنه يختلف عنه بأمور: أولاً: أنه لا بد أن يكون مسبوقاً بشيء؛ لقول المؤلف: (بإثر).

ثانياً: أنه لا يقترن بياء النداء؛ لقوله: (دون يا).

ثالثاً: أنه يكون للمتكلم ومعه غيره.

وقوله: (ارجوني أيها الفتى) للمتكلم.

قوله: (وقد يرى) فيها نائب فاعل يعود على الاختصاص، أي: قد يرى الاختصاص دون أي تلو أل؛ لأن المثال الذي ذكره المؤلف فيه (أي) (أيها الفتى) لكن قد يرى دون أي تلو أل، أي مقروناً بأل، مع أنه لو كان نداء لما اقترن بأل؛ لأن المنادى لا يقرن بأل وإلا جيء بأي قبله كما سبق.

مثاله: (نحن العرب أسخى من بذل).

نحن: مبتدأ، وخبرها: أسخى.

العرب: منصوبة على الاختصاص، والمعنى: نحن أخص العرب أسخى من بذل.

إذاً: عندنا الآن ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يكون الاختصاص مقروناً بأي.

الصورة الثانية: أن يكون معرفاً بأل دون أي.

الصورة الثالثة: أن يكون مضافاً، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث).

نحن: مبتدأ، وجملة (لا نورث) خبره.

معاشر الأنبياء: منصوب على الاختصاص، أي: نحن أخص معاشر الأنبياء لا نورث.

فصار الآن كأن الاختصاص يفسر الضمير السابق وهو (نحن) من (نحن العرب) فالعرب فسرت الضمير (نحن)، والياء من (ارجوني أيها الفتى)، ونحن من (نحن معاشر الأنبياء)، ولهذا قلنا: لابد أن يسبقه ضمير إما للمتكلم أو للمتكلم معه غيره، حتى يكون كالتفسير له.

إذاً صور الاختصاص ثلاث: أن يقرن بأي، وأن يقرن بأل، وأن يضاف، وكله يكون منصوباً بفعل محذوف تقديره: أخص.

قوله: (نحن العرب أسخى من بذل)، هذا صحيح، فإنه لا يوجد في الأمم أكرم من العرب أبداً، ولا أزكى نسباً ولا أطيب محتداً من العرب، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أفضل الرسل من العرب، وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤]، فلولا أن هذه الأمة -أمة العرب- خير الأمم ما جعله الله منها، ولكن بعد الإسلام صار خير الناس المسلمين، سواء من العرب أو من غير العرب، ولكن يزداد المسلم العربي طيباً إلى طيبه.