للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستغناء والاستكفاء بالله]

وفي حديث آخر من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلاً من الأنصار كان له حاجة، فقال له: أهله ائت النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه وهو يخطب يقول: من استعف أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن لجأ لنا فوجدنا له أعطيناه، قال: فذهب ولم يسأل).

الراوي هنا هو أبو سعيد قال: (إن رجلاً من الأنصار)، والرجل هو أبو سعيد نفسه، فكأنه عرَّض، والحديث جاء في سنن النسائي: أن هذا الرجل هو أبو سعيد رضي الله عنه، ولفظ النسائي: (قال أبو سعيد: سرحتني أمي).

وأبو سعيد الأنصاري اسمه: سعد بن مالك بن سنان، وهو أنصاري رضي الله تبارك وتعالى عنه، قال: (سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وقعدت، فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه الله) يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبة، ويكلم الناس، وجلس أبو سعيد الخدري مواجهاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الرسول الجواب الذي جاء بـ أبي سعيد رضي الله عنه من أجله، فقد جاء ليقول: أعنا وأعطنا معونة يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استغنى أغناه الله عز وجل، ومن استعف أعفه الله عز وجل، ومن استكفى كفاه الله عز وجل، ومن سأل وله قيمة أو قية فقد ألحف).

فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هنا الإنسان الذي يستغني، فيطمئنه أن الله غني وسيعطيه الغنى حتى ولو كان هذا الإنسان ليس عنده شيء، فغناه في قلبه، فمن استغنى بالله أغناه الله سبحانه، ومن استكفى بالله وقال: حسبي الله ونعم الوكيل، كان الله حسبه وكافيه.

ومن استعف عن أموال الناس، فلا يطمع، ولا ينظر إلى الناس، ولا يحدث نفسه أن فلاناً معه كذا سأذهب وآخذ منه قليلاً.

فأبو سعيد كان ذاهباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه، فقال له هذا الكلام، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ومن سأل وله قيمة أوقية) يعني: عنده قيمة أوقية، والأوقية: أربعون درهماً، والدرهم حوالي ثلاثة جرام من الفضة، إذاً: فالأوقية قيمتها: حوالي مائة وعشرين جراماً من الفضة، وجرام الفضة قيمته من سبعين قرشاً إلى جنيه، إذاً فـ (١٢٠) جراماً من الفضة تساوي (١٠٠) جنيه مثلاً، فالذي معه مثل ذلك ويسأل، فهذا يسأل إلحافاً.

فـ أبو سعيد الخدري تفكر في نفسه أن من عنده ناقة فعنده أكثر من أوقية، فقال: (ناقتي خير من أوقية) يعني: لو بعتها فستأتي بكذا ولكن أنا أحتاجها، إذاً سأسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فنفعته الموعظة وانصرف ولم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً.

لفظ الحديث عند الإمام أحمد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استعف أعفه الله) أي: من تعفف عن أموال الناس، ولم يمد عينه ولا يده إلى أحد أبداً، فإن الله سبحانه يعفه، ويجعل القناعة في قلبه.

(ومن استغنى) يعني: بالله سبحانه، (أغناه الله)، (ومن لجأ إلينا) أي: جاء يسألنا ويطلب منا، (فوجدنا له أعطيناه) أي: الذي سيسألنا لن نعطيه دائماً، بل بحسب ما عندنا، فإذا كان عندنا أعطيناه، وإذا لم يوجد عندنا لم نعطه شيئاً.

وجاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أيضاً قال: (إن أناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم) ومنهم أبو سعيد رضي الله عنه ذهب ليسأل فانتفع بهذه الموعظة، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم) أي: أن المال الذي في يده سيوزعه على الناس عليه الصلاة والسلام: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله)، وهنا زيادة في صحيح البخاري ومسلم وهي: (ومن يتصبر يصبره الله).

أي: أن الإنسان عنده صبر أصلاً، لكن الكلام هنا عن الإنسان الذي يتصبر وليس عنده صبر، لكنه يحاول، فنفسه تريد ولكن هو يضغط على نفسه لتسكت وتصبر، فهذا هو الذي يتصبر، فيصبره الله، أي: يعينه على الصبر.

قال صلى الله عليه وسلم: (وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر) أي: أن أعظم ما يعطاه الإنسان أن يصبره الله سبحانه.

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا من فضله، وأن يصبرنا سبحانه عن هذه الدنيا، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ا.

هـ