للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إن صاحبكم مأسور بدينه)]

وعن سمرة قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هاهنا أحد من بني فلان؟)، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ثم قام يسألهم: هل أحد من بني فلان موجود؟ (ثم قال: هاهنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: هاهنا أحد من بني فلان -للمرة الثالثة- فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟ ثم قال: إني لم أنوه بكم إلا خيراً) يعني: كأن فلان هذا ميت، فلما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يسأل هل أحد من أهله موجود؟ خاف الرجل أن تكون هناك مصيبة على هذا الإنسان أو شيء آخر، وفعلاً كان هناك شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لم أُنوه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم مأسور بدينه)، كان عليه دين فحبس به، (قال: فلقد رأيته أدى عنه حتى ما أحد يطلبه بشيء).

وفي رواية أخرى قال: (إن صاحبكم حبس على باب الجنة بدين كان عليه) يعني: هذا الرجل كان يستحق دخول الجنة ولكن الدين منعه من دخوله الجنة.

وفي رواية أخرى: (فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله)، أي: إن شئتم فافدوا هذا الإنسان الذي يستحق الجنة، (وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله فقاموا ودفعوا ما كان عليه من دين).

والله سبحانه رحم هذا الإنسان بأن أعلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك، فيا ترى كيف سيعلم أحد منا بهذا الشيء؟! فيموت الإنسان وعليه دين وأهله لا يدفعون ما عليه من الدين، ويقولون: مات وليس لنا دخل في دينه، ويتقاسمون المواريث والديون ولا أحد يسأل عن دين هذا الإنسان، وكم رأينا من ذلك! فتجد إنساناً يموت وهو مليونير وعليه ديون للناس، فقد كان يتاجر للناس في أموال فأخذ أموالهم، فلما يموت هذا الإنسان يجيء أصحاب الديون يطلبون أموالهم فيماطلهم الورثة، والورثة يتنازعون في الميراث وليس مهماً دين هذا الإنسان، والمهم أن يصل إليهم إرثه، لذلك لا يحافظ على أداء الدين إلا صاحب الدين الذي يخاف من الله سبحانه وتعالى، وأما أن يبقى عليك دين وتنتظر من أهلك بعد وفاتك أن يقضوه فالغالب أنه لا يحدث هذا الشيء، ولا ينظر أحد في ذلك، ويجدون من رفقاء وأصدقاء وجيران السوء من يقول لهم: لا تدفع عنه دينه فعنده عيال لما يكبروا سيسددون عنه هذا الدين، وهو يحبس عن الجنة ويعذب في النار مدة ذلك.

وانظر هذا الحديث عن جابر قال: (توفي رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه، فخطى خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران) عليه ديناران فقط، قال: (فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم) أي: لم يصل على هذا الرجل، (ثم تحملهما أبو قتادة)، فأبو قتادة قال: يا رسول الله! أنا سأدفع الدينارين عنه، (هما علي، قال: هما عليك وفي مالك والميت منهما براء؟ قال: نعم، فصلى عليه النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم: ما فعل الديناران؟) يسأل أبا قتادة: الديناران اللذان أنت تحملتهما عن فلان هل قضيتهما أم لا؟ (فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد -اليوم الذي بعده- فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن قد بردت جلدته)، كأن الميت كان يعذب فبردت جلدته لما دفع أبو قتادة ما على هذا الإنسان المتوفى من الدين، وهذا العذاب يكون للإنسان الذي استدان في غير حاجة ولم ينو الوفاء، واستدان وهو قادر على السداد ولم يتعب نفسه في السداد، وكم من إنسان يكون فيه نوع من الاستهانة بأموال الناس، فاستحلى السؤال، وما زاد الله عز وجل عبداً بسؤاله الناس إلا فقراً، فيزيده فقراً عندما يتعود: سلفني يا فلان! أعطني يا فلان! فيتعود على هذا الشيء وتبقى طبيعة فيه ولا يستطيع أن يرد للناس شيئاً، وسهل عليه أن يستلف ولا يرد للناس أموالهم، فمثل هذا الإنسان الذي يموت وعليه دين للناس ولم يجتهد في قضائه، ولم يتعب نفسه في قضاء ما عليه من الدين، فهذا الإنسان ممن يعذب في قبره بسبب أموال الناس، فاحذروا من تضييع أموال الناس، وكفى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس ينوي إتلافها أتلفه الله)، فأخبر عن حاله عند الله أن الله يهلكه ويتلفه، أو دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.