للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان كيف ترفع الأمانة]

قال حذيفة: (ثم حدثنا عن رفع الأمانة)، فهؤلاء الصحابة نزلت الأمانة في قلوبهم، والذين يأتون من بعدهم عندهم أمانة، والذين من بعدهم عندهم أمانة، ولكن كلما مضى الزمان قل الخير وقلت الأمانة، وفجأة ترفع هذه الأمانة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيان كيف ترفع: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) أي: يكون الإنسان نائماً فتقبض الأمانة من قلبه، لكن لماذا تقبض؟ وما هو السبب في هذا الشيء؟ السبب هو ما يصنعه الإنسان، وما يعاقب به فبما كسبت يداه، والله عز وجل يجزي العبد بصنيعه، فكأنهم فعلوا ذنوباً ووقعوا في معاصٍ فعوقبوا عليها بأن نزعت هذه الأمانة من قلوبهم.

قال صلى الله عليه وسلم: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت) يعني: يبقى أثر قليل، والوكت: مثل الحكة في يد الإنسان، فيبقى أثر هذه الحكة موجوداً في يده.

قال: (وينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل)، أي: ينام نومة ثانية فتقبض الأمانة من قلبه، ويبقى من هذه الأمانة كأثر المجل، والمجل فسره بقوله: (كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً) أي: كأنه أثر جمرة جاءت على اليد أو على الرجل فانتفخت اليد أو الرجل من هذا الجمر، وهذا الانتفاخ يظن الناظر إليه أنه كبير، لكن حقيقته أنه منفوخ على لا شيء، فهكذا الإنسان تقبض الأمانة من قلبه ويصبح بين الناس يقولون عنه: أمين، وفي الظاهر أنه أمين، وحقيقته أنه ليست فيه أمانة.

يقول الراوي: (ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، وقال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة)، فالنبي صلى الله عليه وسلم يريهم هذه الجمرة مثل الحصى لو تدحرجت على الرجل، فستحرق جزءاً من الرجل، وسينتفخ هذا الجزء، وهذا الانتفاخ ليس فيه دم، وهذا الانتفاخ ليس لحماً، وإنما هو انتفاخ لا شيء تحته.

وكذلك الأمانة تقبض من قلب الإنسان، فيصبح أمام الناس ظاهره أنه أمين، وأما قلبه فخاين، وما أكثر ذلك! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة) يعني: أن البائع يبيع الشيء ويدلس على الناس ويخدع الناس ويعطيهم الشيء الفاسد، ويوهمهم أن هذا صالح، فيخون في الأمانة، والمشتري يدفع بعض الثمن، ويخون في باقيه فلا يدفعه، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة لا البائع ولا المشتري.

قال صلى الله عليه وسلم: (لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً) أي: حتى يقول الناس ذلك، يعني: أن الأمانة تصير عملة نادرة، ويقال: كل الناس فيهم خيانة إلا فلان، أو إلا في بني فلان ففيهم واحد أمين.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى يقال للرجل: ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) يعني: أن الناس لما يمدحون بعضهم لا يذكرون الأمانة؛ لأنه لا يوجد أحد أمين، فيقولون: فلان هذا إنسان عاقل، فلان هذا ذكي، فلان هذا ظريف، فلان كذا، لكن ليس أميناً.