للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظم أجر السجود وفضله]

وفي الأثر عن مطرف قال: (قعدت إلى نفر من قريش، فجاء رجل فجعل يصلي ويركع ويسجد ولا يقعد، فقلت: والله ما أرى هذا يدري ينصرف على شفع أو على وتر؟ فقالوا: ألا تقوم إليه فتقول له؟ قال: فقمت)، أي: كأنه صلى صلاة كثيرة، وصلى الركعات متصلات، ولم يجلس بينهن للتشهد، وإنما جلس للتشهد في النهاية، وهذا يجوز في صلاة الضحى، فإذا صلاها أكثر من ركعتين جاز له أن يصلي ركعتين ويسلم، وجاز له أن يصلي أربع ركعات ويسلم، ويجوز أكثر من ذلك، سواء جلس في التشهد الأوسط في الأربع الركعات أو لم يجلس.

وكذلك يجوز للإنسان في قيام الليل أن يصلي تسع ركعات متصلة، ولا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، وإن كان الأفضل له أن يصلي ركعتين ركعتين، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى).

فهذا الرجل دخل وصلى ركعات كثيرة من غير أن يجلس للتشهد بين كل ركعتين، وإنما جلس في النهاية وسلم، وكأنه في قيام الليل، فلما رآه مطرف قال: (والله ما أرى هذا يدري ينصرف على شفع أو على وتر)، يعني: أنه لا يدري كم صلى، فلما قال ذلك، قالوا له: قم فأخبره، فقام وهو يظن نفسه أنه ينصحه، فقال: (يا عبد الله! ما أراك تدري تنصرف على شفع أو على وتر؟ فرد عليه الرجل وقال: ولكن الله يدري)، أي: إذا كنت لا أدري فربنا يدري، فكان جواباً مؤدباً ومهذباً من رجل فاضل، قال الرجل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سجد لله سجدة كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة).

قال مطرف: (فقلت من أنت؟ فقال: أبو ذر الغفاري قال: فرجعت إلى أصحابي، فقلت: جزاكم الله من جلساء شراً، جزاكم الله من جلساء شراً)، يعني: تطلبون مني أن أنصح صحابياً، وأنتم تعرفون أنه صحابي؟ قال: أفتأمروني أن أعلم رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أي: أنه لا يليق بتابعي أن يعلم صحابياً، وكان الأحرى بهؤلاء أن يقولوا له: إن هذا أبو ذر الصحابي، فقم تعلم منه ولا تنكر عليه، فالغرض من هذا: بيان أن الصلاة فيها هذا الفضل كله، وكل سجدة فيها يكتب الله للعبد بها حسنة ويحط عنه بها خطيئة ويرفع له بها درجة.

وفي رواية يقول مطرف: (فرأيته يطيل القيام، ويكثر الركوع والسجود)، أي: أنه لم يصلها بسرعة بحيث لا يدري ما يقول فيها، وإنما كان يطيل القيام، فصلى قياماً طويلاً وركوعاً طويلاً وسجوداً طويلاً، وأكثر من الركوع والسجود.

قال: (فذكرت له ذلك، فقال الصحابي رضي الله عنه: ما آلوت أن أحسن)، يعني: لقد اجتهدت أن أحسن في صلاتي، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ركع ركعة أو سجد سجدة رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة).