للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح بعض الأحاديث في فضل الجمعة]

فهذه أحاديث يذكرها الحافظ المنذري رحمه الله في كتاب الترغيب والترهيب في باب الترغيب في صلاة الجمعة.

ومن الأحاديث: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في أن يوم الجمعة عرضت على النبي صلوات الله وسلامه عليه، إذ نزل عليه جبريل بيوم الجمعة في كفه كالمرآة البيضاء، وأرى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في كفه، فنظر كالمرآة البيضاء في كف جبريل، وفي وسط هذه المرآة البيضاء نكتة سوداء -يعني: نقطة سوداء فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة يعرضها عليك ربك يعني: تكون يوم الجمعة عيداً للمسلمين يوم الجمعة، فقد عرضت على اليهود وعلى النصارى فبدلوه، إذْ بدل اليهود الجمعة بالسبت وبدلها النصارى بالأحد.

أما المسلمون فثبتوا على يوم الجمعة، فهو اليوم الذي خلق فيه آدم واختاره الله عز وجل بأن يهبط فيه إلى الأرض، واختاره عيداً للمسلمين، وبهذا اليوم تكون النفخة والصعقة، وفيه القيامة، فقال هنا النبي صلى الله عليه وسلم يسأل جبريل: (ما هذا يا جبرائيل؟ قال: هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً).

فيوم الجمعة هو العيد الأسبوعي للمسلمين.

وأعياد المسلمين تتميز بأن فيها ذكر الله سبحانه وتعالى، وتبدأ دائماً بذكر الله سبحانه، ففيها أجر عظيم عند الله، فيوم الجمعة، ويوم الفطر ويوم الأضحى أعياد المسلمين، وأعظم صلاة تصليها في الأسبوع صلاة الفجر في جماعة، وصلاة الجمعة؛ قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:١٠] وهو عيد ويأمركم الله عز وجل أن تبتغوا فيه من فضله، ولكن تذكرون الله سبحانه وتعالى فيه كثيراً.

وأيضاً: تصلون على النبي صلوات الله وسلامه عليه في يوم العيد، ويبدأ يوم عيد الفطر من صلاة العيد، وعيد الأضحى يبدأ بصلاة الأضحى، وأعياد المسلمين ليست مجرد لهو ولغو ولعب وضياع للوقت، ولكن يبدأ فيها بالصلاة، وفي يوم الجمعة تصلى الجمعة، وتصلي على النبي صلوات الله وسلامه عليه مكثراً من ذلك فهذا عيد المسلمين.

يقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: لتكون لك عيداً ولقومك من بعدك، ولكم فيها خير، تكون أنت الأول، يعني: يومك الأول يوم الجمعة، واليهود يومهم السبت، والنصارى يومهم الأحد، فعيدنا قبل عيدهم، ويوم القيامة يكون الحساب على ذلك، فأمة الإسلام قبل غيرها من الأمم، وعند دخول الجنة أمة الإسلام أول من يدخل الجنة، والنصارى الذين تابعوا المسيح واليهود الذين تابعوا موسى المؤمنين منهم، يعني: الذين كانوا على عهد موسى، والذين كانوا على عهد عيسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام يكونون تابعين لنا، فيدخل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من أمته الجنة أولاً، وهؤلاء من بعدهم.

أما اليهود والنصارى الموجودون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم كفار كما ذكر الله عز وجل في كتابه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣].

وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:٣٠].

فلما يذكر المؤمنون من أهل الكتاب فيقصد المؤمنون الذين كانوا على عهد المسيح، والذين كانوا على عهد موسى على نبينا وعليهم الصلاة السلام.

قال: وفيها ساعةً لا يدعو أحد ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه الله سبحانه، ويوم الجمعة فيها ساعة إجابة وهو يوم عظيم كله، وخصوصاً هذه الساعة لا كما يقوله الجهلة والمغفلون من الناس في يوم الجمعة: فيها ساعة نحس، هذا من كذبهم وتبديلهم لما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن يوم الجمعة فيه ساعة عظيمة لإجابة الدعاء، وهذه الساعة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن وقتها يسير وسنرى في الأحاديث هذه الساعة.

فيقول هنا جبريل: وفيها ساعة لا يدعو أحد ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه، أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد، يوم الجمعة في الآخرة وفي الجنة اسمه: يوم المزيد، إذ إن أيام الأسبوع موجودة، ولكن اليوم في يوم القيامة كألف سنة مما تعدون، ويوم الجمعة له فضيلة عظيمة، إذ يعطي الله عز وجل المسلمين زيادة من فضله في هذا اليوم، ويطلعون إلى ربهم فينظرون إليه سبحانه وتعالى.

ومن الأحاديث: حديث أوس بن أوس رضي الله عنه يقول فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة) وفضيلة هذا اليوم بقوله: (فيه خلق الله آدم، وفيه قبض) أي: توفى الله عز وجل آدم فيه (وفيه النفخة) أي: يوم القيامة (وفيه الصعقة) أي: يصعق الخلق في هذا اليوم، كأنهم يموتون في يوم الجمعة، ويبعثون فيها يوم القيامة، (فأكثروا علي من الصلاة فيه).

ومن أفضل العمل في يوم الجمعة صلاة الفجر في جماعة، والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن الإكثار من الصلاة عليه في كل وقت أجره عظيم جداً، ويكفيك الله سبحانه وتعالى كلما أهمك بإكثارك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن يوم الجمعة بالذات له فضيلة أكثر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن صلاتكم معروضة علي) وإن كانت معروضة في كل وقت ولكن لها مزيد فضيلة في يوم الجمعة، وتعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم بطريقة مختلفة عن أي يوم آخر، قالوا: (وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟) يعني: كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أكلت الأرض لحمك كما تأكل لحم غيرك من الخلق، فكيف تعرض عليك صلاتنا وأنت على هذه الهيئة؟ فأخبرهم أن هذا لا يكون بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكل الخلق إذا دخلوا قبورهم تأكلهم الدود وتفنى أجسامهم في قبورهم إلا الأنبياء، فتبقى أجسامهم كما هي في قبورهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله جل وعلا حرم على الأرض أن تأكل أجسامهم) فالأرض لا تأكل أجسام الأنبياء وتأكل غير ذلك، وإن كان هناك من الشهداء من يحفظه الله عز وجل في الأرض كما يشاء سبحانه وتعالى، ولكن الأنبياء كلهم لا تأكل الأرض أجسامهم.