للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أوصاف المنافقين في سورة المجادلة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى في سورة المجادلة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة:٨] إلى قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:١٤ - ١٦] إلى آخر السورة.

وقوله: {مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ} [المجادلة:١٤]].

هذه الآيات من سورة المجادلة في صفات المنافقين، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة:٨].

فنهاهم الله عن النجوى والتناجي بالسر؛ لأن الكفار قد يتناجون بالكلام فيما بينهم بما فيه مضرة على المسلمين، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، فلم ينته هؤلاء المنافقون عن ذلك؛ عصياناً لله ولرسوله، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ} [المجادلة:٨] أي: أنهم استمروا في تلك الخصلة الذميمة، {بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المجادلة:٨] أي: بما فيه إثم ومعصية، وبما فيه عدوان على المسلمين في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم.

قوله: {وَإِذَا جَاءُوكَ} [المجادلة:٨] الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، {حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة:٨].

وهذا في المنافقين من اليهود، فإنهم إذا جاءوا إلى صلى الله عليه وسلم يظهرون أنهم يسلمون عليه فيقولون: السام عليك، فيحذفون اللام، والسام هو الموت.

وكان يرد عليهم فيقول: وعليكم، فسمعتهم عائشة! من وراء الحجاب فقالت: وعليكم السام واللعنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة إن الله يبغض الفحش والتفحش، فقالت: يا رسول الله! ألم تسمع ما قالوا؟ قال: ألم تسمعي ما قلت: وعليكم، فرددت عليهم تحيتهم، فإنها تقبل منا ولا تقبل منهم).

قوله: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة:٨] أي: لو كان نبياً لعذبنا الله على مقولتنا له، فأنزل الله: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة:٨] أي: مصيرهم، وبئس المقام مقامهم.

وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ} [المجادلة:١٤] وهذا وصف المنافقين على الصحيح، والذين غضب الله عليهم هم اليهود، فالمنافقون يتولونهم من دون المؤمنين، ويحبونهم وينصرونهم ويؤيدونهم، وموالاة الكفار ومحبتهم لدينهم كفر وردة، وقد وقع هذا من المنافقين، فإنهم يتولون اليهود الذين وصفهم الله بقوله: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المجادلة:١٤].

قوله: {مَا هُمْ مِنْكُمْ} [المجادلة:١٤] أي: أن المنافقين ليسوا من المؤمنين، {وَلا مِنْهُمْ} [المجادلة:١٤] أي: وليسوا من اليهود، بل هم صنف ثالث.

ومن أوصافهم: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة:١٤] أي: يحلفون على الكذب وهم يعلمون أنه كذب نعوذ بالله، فالله تعالى قص علينا خبرهم ونبأهم وبينا لنا أوصافهم لنحذرها، فالواجب على المسلم أن يحذر من تولي الكفرة واليهود، ويحذر من الحلف على الكذب.

قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:١٥ - ١٦] أي: جعلوا أيمانهم سترة في إخفاء كفرهم ونفاقهم، فإذا جاءوا إلى النبي حلفوا له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ظواهرهم ويكل السرائر إلى الله، فلما تخلفوا عن غزوة تبوك جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فحلفوا له أنهم لا يستطيعون، وأن لهم أعذاراً، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ظواهرهم وحالهم، ووكل سرهم إلى الله، فهم اتخذوا أيمانهم جنة وسترة يتسترون بها لإخفاء كذبهم وكفرهم ونفاقهم، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [المجادلة:١٦] أي: بذلك {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:١٦] * {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المجادلة:١٧] أي: لا تنفعهم أموالهم ولا أولادهم يوم القيامة، بل سيخلدون في النار، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة:١٨] أي: أنهم يوم القيامة إذا بعثوا فإنهم يبقون على كذبهم وخداعهم، فيحلفون أمام الله عز وجل أنهم صادقون كما يحلفون للمؤمنين في الدنيا، ويظنون أن هذا ينفعهم.

{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة:١٩] أي: توحيده وطاعته، {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:١٩].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة).

أي: أن المنافقين مذبذبون، فلهم ظاهر ولهم باطن، فظاهرهم مع المؤمنين وباطنهم مع الكفار، لذا شبههم النبي صلى الله عليه وسلم بالشاة بين الغنمين، فهي مرة تذهب مع هذه الغنم ومرة تذهب مع الغنم الأخرى، فليس عندها ثبات، وكما قال الله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:١٤٣] أي: لا إلى المؤمنين ولا إلى الكفار، فمرة مع المؤمنين ومرة مع الكفار، فهم يخافون وعندهم ذعر يقولون: نجعل يداً مع المؤمنين ويداً مع الكفار.

قال تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:١٤٣] لا إلى المؤمنين ولا إلى الكفار، فهم مرة مع المؤمنين ومرة مع الكفار، وعندهم ذعر وخوف، فهم يقولون: نكون مع المؤمنين، فإن انتصر المؤمنون شاركناهم في الغنيمة، وكنا معهم، وإن انتصر الكفار صرنا معهم، فليس عندهم ثبات، ولا إيمان، وهذا فيه تحذير من صفات المنافقين، وفيه حث على الإيمان والثبات والاستقامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>