للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفريق بين الحكم بالظاهر والحكم بالباطن]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا أصل ينبغي معرفته؛ فإنه مهم في هذا الباب، فإن كثيراً ممن تكلم في مسائل الإيمان والكفر لتكفير أهل الأهواء، لم يلحظوا هذا الباب، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أن الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة والإجماع المعلوم، بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام].

يعني: أن هذا الكلام أصل ينبغي معرفته؛ وهو أن المنافق تجرى عليه أحكام الإسلام في الظاهر، وإذا أظهر النفاق قتل، كما تجرى على المسلم ظاهراً وباطناً، فالمؤمن ظاهراً وباطناً تجرى عليه أحكام الإسلام، والمنافق الذي يظهر الإسلام تجرى عليه أحكام الإسلام، فإذا لم نعلم حاله عاملناه كمسلم في الزواج، والنكاح، والصداق، والصلاة عليه إذا مات، والميراث، وإجابة دعوته، وتغسيله، ودفنه في مقابر المسلمين.

فكل هذه الأحكام تجرى على المنافق الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر، ما لم يظهر نفاقه، فإذا أظهر نفاقه قتل وعومل بما أظهر من نفاقه على الخلاف المشهور: هل يقتل بدون استتابة، أو بعد الاستتابة؟ أو إذا سلم نفسه فلا يقتل، وإذا لم يسلم نفسه فإنه يقتل.

فأحكام الإسلام تجرى على المنافقين، وتجرى أيضاً على المسلمين، وأما الكفار الذين أظهروا الكفر فتجرى عليهم أحكام الكفار.

يقول المؤلف: (فإن كثيراً ممن تكلم في مسائل الإيمان والكفر لتكفير أهل الأهواء، لم يلحظوا هذا الباب)، يعني: أن بعض الناس يكفر أهل البدع ولا يلحظ هذا المعنى، مع أن أهل البدع والأهواء، إن كانوا يظهرون الإسلام فتجرى عليهم أحكام الإسلام ولا يكفرون، والبدعة والمعصية لا يكفر صاحبها، فكما أن الزاني لا يكفر، فكذلك المبتدع -كصاحب بدعة المولد- لا يكفر كذلك، ولا يكفر إلا من أظهر الكفر.

فالذين كفروا أهل البدع لم يلحظوا هذا الباب، وهو إجراء الأحكام على الظاهر، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أن الفرق بين الحكم الظاهر والحكم الباطن ثابت شرعاً.

والحكم الظاهر هو الحكم على المنافق بالإسلام، والحكم الباطن هو الكفر، وهذا هو حكمه في الآخرة، والفرق بينهما ثابت بالنصوص المتواترة، والإجماع المعلوم، بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن تدبر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يكون منافقاً زنديقاً يظهر خلاف ما يبطن].

فالمبتدع قد يكون مؤمناً، ولم يكفر، لكن أخطأ بسبب جهله وضلاله، كمثل شخص يقيم الموالد، وهو مؤمن يصلي ويصوم، ويزكي ويحج، فإذا قيل له: لماذا تقيم بدعة المولد؟ قال: أقيمه محبة للرسول، فهو هنا قد أخطأ لجهله وضلاله، فلا يكون كافراً، فليس كل من يأتي ببدعه يقال له كافر، بل لابد من التمييز بين الأحكام كما قال المؤلف.

وهذا الذي أقام البدعة كأن يقول: نويت أن أصلي فرض العشاء خلف هذا الإمام أربع ركعات، فهذه بدعة عندما تلفظ بها، ويقولها بعض الناس للجهل والضلال، فلا يكون كافراً، بل هو مبتدع.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ومن تدبر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع قد يكون مؤمناً، مخطئ جاهل، قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد يكون منافقاً يظهر خلاف ما يبطن)، يعني: الشخص الذي يظهر البدعة هو على أحد أمرين: إما أن يكون مؤمناً ابتدع هذه البدعة لجهله وضلاله، وإما أن يكون منافقاً زنديقاً؛ لأنه يبطن الكفر ويظهر البدعة.

فهو دائر بين هذا وبين هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>