للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول فيمن أثبت الإسلام دون الإيمان]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وحينئذ فهؤلاء الذين أثبت لهم القرآن والسنة الإسلام دون الإيمان، هل هم المنافقون الكفار في الباطن؟ أم يدخل فيهم قوم فيهم بعض الإيمان؟ هذا مما تنازع فيه أهل العلم على اختلاف أصنافهم، فقالت طائفة من أهل الحديث والكلام وغيرهم: بل هم المنافقون الذين استسلموا وانقادوا في الظاهر، ولم يدخل إلى قلوبهم شيء من الإيمان].

هذا القول الأول، وهو قول الإمام البخاري وبعض أهل الكلام من الخوارج والمعتزلة، قالوا: هؤلاء الذين نفي عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام في قوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤]، هم منافقون، وهذا إسلام المنافقين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأصحاب هذا القول قد يقولون: الإسلام المقبول هو الإيمان؛ ولكن هؤلاء أسلموا ظاهراً لا باطناً فلم يكونوا مسلمين في الباطن، ولم يكونوا مؤمنين، وقالوا: إن الله سبحانه يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥]].

هذا دليلهم، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥]، قالوا: المراد بالإسلام الإيمان، والإيمان هو الإسلام فهما مترادفان عند هذه الطائفة ولا فرق بينهما، فمن ابتغى غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، والإسلام هو الإيمان، ومادام نفي عنهم الإيمان، فلا يقبل منهم، ودل على أنهم منافقون.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [بيانه: كل مسلم مؤمن فما ليس من الإسلام فليس مقبولاً، يوجب أن يكون الإيمان منه، وهؤلاء يقولون: كل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن إذا كان مسلماً في الباطن، وأما الكافر المنافق في الباطن، فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين].

عندهم أن كل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، أما الكافر منافق الباطن فلا شك أنه ليس من المؤمنين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولا عند أحد من طوائف المسلمين، إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق في الظاهر، فإذا فعل ذلك كان مؤمناً، وإن كان مكذباً في الباطن، وسلموا أنه معذب مخلد في الآخرة، فنازعوا في اسمه لا في حكمه].

الكرامية جمعوا بين المتناقضين في مسمى الإيمان، وفي اسم المؤمن وحكمه، قالوا: إذا نطق الإنسان بالشهادتين نسميه مؤمناً كامل الإيمان، وإن كان مكذباً في الباطن فهو مخلد في النار، فجمعوا بين المتناقضين، ولهذا كان من أفسد تعاريف الإيمان قول الكرامية، يليه في الفساد قول الجهمية الذين يقولون: الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكرامية يقولون: الإيمان النطق اللسان ولو كان مكذباً في الباطن، فإذا نطق باللسان فهو مؤمن كامل الإيمان، ثم بعد ذلك ننظر إلى قلبه، إن كان مصدقاً فإنه يدخل الجنة، وإن كان مكذباً فهو مخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة، وهو غلط عليهم].

هذا ليس بصحيح، فالذين يجعلونهم من أهل الجنة هم المرجئة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومع هذا فتسميتهم له مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم أي: تسمية المكذب بالباطن مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة، حيث سموا من نطق بالشهادتين مؤمناً ولو كان مكذباً في الباطن.

<<  <  ج: ص:  >  >>