للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دليل إثبات الطاعة للمسلم]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ} [الحجرات:١٤]، أي: لا ينقصكم من أعمالكم المثبتة شيئاً، أي: في هذه الحال؛ فإنه لو أراد طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم لم يكن في ذلك فائدة لهم ولا لغيرهم؛ إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله، وهم كانوا مقرين به فإذا قيل لهم: المطيع يثاب والمراد به المؤمن الذي يعرف أنه مؤمن لم يكن فيه فائدة جديدة].

هذا هو المرجح الثاني، ووجه الدلالة أنه أثبت لهم طاعة، ولو كانوا منافقين لم يثبت لهم طاعة، فلما أثبت لهم طاعة دل على أنهم مسلمون، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:١٤]، إن تطيعوا الله ورسوله وأنتم في هذه الحال، لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً؛ لأنكم مسلمون، ولا يقول القائل: إن المراد وإن تطيعوا الله بعد دخول الإيمان في قلوبكم؛ لأنه لو أراد طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم لم يكن في ذلك فائدة لهم أو لغيرهم، إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله، وهم كانوا مقرين به.

لكن المراد: إن تطيعوا الله ورسوله وأنتم في هذه الحال مع ضعف إيمانكم يثبكم الله على أعمالكم.

فكونه أثبت لهم طاعة الله ورسوله وهم في هذه الحال، دل على أنهم ليسوا منافقين وإنما هم ضعيفو الإيمان، وضعيف الإيمان يثاب على أعماله.

فأثبت لهم طاعة مع نفي الإيمان الكامل عنهم، فدل على أنهم مسلمون وليسوا منافقين كما يقوله الإمام البخاري والجماعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأيضاً: فالخطاب لهؤلاء المخاطبين قد أخبر عنهم: لما يدخل في قلوبهم، وقيل لهم: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:١٤]، فلو لم يكونوا في هذه الحال مثابين على طاعة الله ورسوله لكان خلاف مدلول الخطاب].

هذا هو المرجح الثالث، فمدلول الخطاب لهؤلاء الأعراب، قال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات:١٤]، ثم خاطبهم فقال: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:١٤].

فأهل القول الأول يقولون: هذه الطاعة تكون بداية دخول الإيمان في قلوبهم، ونحن نقول: ولو كان كذلك لكان خلاف مدلول الخطاب، والخطاب موجه لهم وهم في هذه الحال، أي: قل لم تؤمنوا أيها الأعراب ولكن قولوا أسلمنا، وإن تطيعوا الله يثبكم على أعمالكم.

فإن قيل: إن الطاعة تكون بعدما يدخل الإيمان في قلوبهم، قلنا: لو كان كذلك لصار الخطاب غير موجه إليهم، وإنما وجه إليهم بعد دخول الإيمان، وهذا خلاف مجيء الخطاب، وهذا هو المرجح الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>