للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[زوال عقوبة الذنب بأسباب مختلفة]

هذا هو المرجح الحادي عشر، وهو يدل على أن المؤمن إذا صدرت منه معصية أو كبيرة يبقى معه أصل الإيمان، وأن النصوص التي فيها وصف بعض الناس بالإسلام دون الإيمان، تدل على أنه نفي عنهم كمال الإيمان وليسوا منافقين.

وذلك أنه قد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عقوبة الذنب تزول عن العبد بعشرة أسباب، وإذا حصل واحد من هذه العشرة محي الذنب، وسلم العبد من عقوبته، وهذا يدل على أن المؤمن إذا وقع في الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل يبقى معه أصل الإيمان، وهذه العشرة ذكرها المؤلف وهي: أحدها التوبة: الثاني: الاستغفار.

الثالث: الحسنات الماحية.

الرابع: دعاء المؤمنين للمؤمن.

الخامس: ما يعمل للميت من أعمال البر.

السادس شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا.

الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغط والروعة.

التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.

العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد.

فهذه عشرة أسباب إذا حصل واحد منها محي الذنب عن صاحبه وسقطت العقوبة عنه، وليس المراد أن تجتمع العشرة كلها، بل إذا حصل واحد منها سقطت عقوبة الذنب عن العبد.

فهذه الأسباب التي تسقط بها عقوبة الذنوب عن العبد تدل على أن المؤمن يقع في المعاصي ويقع في الكبائر، ويسمى مسلماً ولا يسمى مؤمناً إذا ارتكب الكبيرة، وينفى عنه الإيمان المطلق وإن كان معه أصل الإيمان الذي يصحح إسلامه، وأصل الإيمان لابد منه، والمسلم لابد له من إيمان يصحح إسلامه، فيؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، لكن الإيمان الكامل لا يطلق إلا على من أدى الواجبات وترك المحرمات، وهذا فعل كبيرة فلا نسميه مؤمناً بإطلاق، بل لابد أن يكون مؤمناً ناقص الإيمان، أو ضعيف الإيمان فهو مؤمن فاسق، ويقال هو مسلم ولا يقال مؤمن، والإيمان الذي نفي عن العاصي غير الإيمان الذي دخل به في الإسلام، فالإيمان دخل به في الإسلام لابد منه، وهو أصل الإيمان، والإيمان الذي ينفى عن العاصي هو الإيمان الكامل الذي يستحق به دخول الجنة والنجاة من النار.

هذه الأسباب العشرة التي إذا حصل واحد منها سقطت عقوبة الذنب تدل على أن المؤمن يقع في الكبيرة ولا يخرج من الإسلام بل يسمى مسلماً، وليس إسلامه كإسلام المنافقين كما ذهب إليه البخاري وجماعة، فـ البخاري رحمه الله قال: إن الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الإيمان، فهما مترادفان لا فرق بينهما، ومن نفي عنه الإيمان فقد نفي عنه الإسلام، سواء بسواء، والآية: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤] نزلت هذه في المنافقين.

والصواب: أن الإسلام غير الإيمان وليسا مترادفين إذا اجتمعا، والذين نفي عنهم الإيمان لا لكونهم منافقين بل لكونهم نقص إيمانهم فلا يطلق عليهم الإيمان الكامل، لكن نقص إيمانهم وضعف بفعل الكبيرة فيسمون مسلمين؛ لأن معهم أصل الإيمان الذي يصح به إسلامهم، ولا يسمون مؤمنين بإطلاق لتقصيرهم في بعض الواجبات أو فعلهم لبعض المحرمات.

فهذا المرجح الحادي عشر: أن عقوبة الذنب تسقط عن العبد إذا حصل واحد من عشرة أسباب، ودل على أن معه أصل الإيمان وليس منافقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>