للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة غلاة المرجئة والملاحدة في صاحب الكبيرة وفي الوعد والوعيد]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك قول من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة، وقال: لا أعلم أن أحداً منهم يدخل النار، هو أيضاً من الأقوال المبتدعة، بل السلف والأئمة رحمهم الله متفقون على ما تواترت به النصوص، من أنه لابد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة، ثم يخرجون منها، وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة فهذا لا أعرفه قولاً لأحد.

وبعده قول من يقول: ما ثم عذاب أصلاً، وإنما هو تخويف بما لا حقيقة له، وهذا من أقوال الملاحدة الكفار].

يعني: هناك قولان أيضاً للمرجئة: القول الأول: قول غلاة المرجئة، وهو التوقف في العصاة، والتوقف معناه أنهم يقولون: لا ندري هل يدخلون النار أو لا يدخلون النار.

فهم يتوقفون في أهل الكبائر، إذا سألت أحدهم: أصحاب الكبائر يدخلون النار؟ يقول: أنا متوقف، لا أقول: يدخلون النار ولا أقول: لا يدخلون النار، ولهذا قال المؤلف: (كذلك قول من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة وقال: لا أعلم أن أحداً منهم يدخل النار، وهو أيضاً من الأقوال المبتدعة) يعني: قولهم هذا بدعي، والتوقف لا وجه له، والصواب أن أهل الكبائر قسم منهم وجملة منهم يدخلون النار، وقسم يعفى عنهم، ليس كلهم يدخلون وليس كلهم يعفى عنهم، بل لابد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر؛ لأنه قد تواترت الأخبار والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر وهم مؤمنون مصلون، ولا تأكل النار وجوههم، فهذا يدخل النار لأنه زنى ولم يتب، وهذا يدخل النار لأنه عاق لوالديه، وهذا يدخل النار لأنه تعامل بالربا، وهذا يدخل النار لأنه اغتاب الناس أو نم عليهم أو أكل أموال الناس بالباطل، ومنهم من يعفى عنه، ولكن جملة منهم لابد أن يدخلوا النار.

إذاً: نقول: لا وجه لهذا القول، لابد أن تجزم بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر، وهناك من يعفى عنهم، ولهذا قال المؤلف: (بل السلف والأئمة متفقون على ما تواترت به النصوص من أنه لا بد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة) , يعني: من المؤمنين الذين يتجهون إلى القبلة بالصلاة والذكر والذبح وغيره، ثم يخرجون من النار.

وهناك قول آخر في المسألة: وهو الجزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة، قال المؤلف: (وهذا القول لا نعرفه قولاً لأحد)، وهو ضد قول الخوارج والمعتزلة, فالخوارج والمعتزلة يجزمون بأن العصاة مخلدون في النار، أما هؤلاء فيجزمون بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة.

إذاً: بعض غلاة المرجئة يتوقفون في صاحب الكبيرة، وهناك بعض غلاة المرجئة كالجهمية يجزمون بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة، مادام أنه مؤمن يعرف ربه بقلبه، يقولون: لا تضره جميع الكبائر ولا يدخل النار، ويدخل الجنة من أول وهلة.

وبعده هناك قول آخر: وهو قول من يقول: ما ثمَّ عذاب أصلاً، وإنما هو تخويف بما لا حقيقة له.

يعني: أنه ليس هناك عذاب ولا نار، فإذا قيل له: النصوص دلت على أنه يوجد عذاب، قال: هذا مجرد تخويف، وهذا هو قول الملاحدة الذين لا يؤمنون بالجنة ولا يؤمنون بالنار.

والملاحدة أشد من الكفار، فكفرهم أعظم من كفر اليهود والنصارى، فهؤلاء الملاحدة من القرامطة وغيرهم يقولون: ليس هناك عذاب ولا جنة ولا نار، فإذا قيل لهم: كيف؟ قالوا: هذه أمثال مضروبة من النبي وهي من السياسة، فهو قالها حتى يسوس الناس حتى يتعايشوا بسلام، وحتى لا يبغي بعضهم على بعضهم إذا علموا أن هناك جنة وهناك ناراً، وسيذكر المؤلف لهم شبهة، ويبين خطأهم وباطلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>