للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم رضا المنافقين بحكم الله ورسوله]

قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] وقال قبلها: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [النساء:٦٢] يعني: إذا أصابتهم مصيبة قدرها الله عليهم بسبب أعمالهم وما قدمت أيديهم، {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء:٦٢] يعني: إنما نريد الجمع والتوفيق بين هؤلاء وهؤلاء، نريد أن نجمع بين السياسة المخالفة للحق وبين الشريعة، هذه سياسة شيطانية فرعونية أمريكية، فهم يريدون أن يجمعوا بين هؤلاء وهؤلاء؛ لأن قلوبهم مريضة، فهم يخشون أن ينتصر المؤمنون، فإذا هُزِم المؤمنون صاروا مع اليهود والنصارى، وإذا انتصر المؤمنون وغنموا صاروا معهم وقالوا: نحن معكم، كما قال تعالى في سورة النساء: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:١٤١] كما سيأتي.

وفي سورة العنكبوت: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} [العنكبوت:١٠] أي: إذا جاء نصر وفتح وغنيمة قالوا: نحن معكم، وإن حصل هزيمة انضموا إلى الصنف الثاني، يريدون أن يتخذوا مع هؤلاء يداً ومع هؤلاء يداً؛ لكفرهم ونفاقهم، ولهذا يقول عز وجل: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء:٦٢] أي: نريد التوفيق بين الشريعة والسياسة.

ثم قال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] هذه الآية عظيمة، فيها بيان أن من لم يتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه ليس بمؤمن؛ ولذلك أقسم الرب سبحانه بنفسه الكريمة: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} [النساء:٦٥] نفى عنهم الإيمان حتى توجد الغاية، وهي: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:٦٥] الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] أي: حتى يحكموا الرسول في موارد النزاع وفيما حصل بينهم من اختلاف وشجار، هذا الأمر الأول.

ثم قال سبحانه: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:٦٥] أي: لا يكفي التحاكم، مع وجود الحرج من حكم الله وحكم رسوله، بل لابد أن يوجد الرضا مع التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله.

قال سبحانه: ((وَيُسَلِّمُوا)) أي: لا بد من التسليم وهو الاطمئنان، ولا يكفي هذا حتى يكون الاطمئنان كاملاً وتاماً، ولهذا أكد بالمصدر فقال: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

إذاً: أقسم الرب سبحانه بنفسه الكريم أنه لا يحصل لهم الإيمان إلا بهذه الأمور الأربعة: الأول: تحكيم الرسول عليه الصلاة والسلام في النزاع والخصومة.

الثاني: الرضا بهذا الحكم.

الثالث: الطمأنينة.

الرابع: الطمأنينة التامة.

وهذا يدل على أهمية التحاكم إلى الكتاب والسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>