للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى الهداية ومعنى الشهادة لله بالوحدانية]

وقال: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له).

هذا فيه بيان أن الرب سبحانه وتعالى هو الهادي وهو المضل، هو الذي يقذف الهداية في قلب العبد، ويجعله يختار الحق ويرضى به، وهو سبحانه وتعالى مقدر الضلالة على العبد لما له من حكمة بالغة، فهو سبحانه وتعالى يهدي من يشاء فضلاً منه وإحساناً، ويضل من يشاء عدلاً منه وحكمة.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ومن هداه الله فلا يستطيع أحد أن يضله، ولو اجتمع الخلق كلهم ما استطاعوا أن يضلوه، ومن أضله الله فلا يستطيع أحد أن يهديه، وإن اجتمع أهل الأرض كلهم أن يضلوه ما استطاعوا.

وفي هذا رد على المعتزلة الذين يقولون: إن العبد هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه، يقولون: إن تسميته مهتدياً يعني: أن وصفه بأنه مهتد معناه أنه سمي مهتدياً أي: فهو من باب التسمية.

من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، هذا مأخوذ من قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧].

ثم شهد المؤلف رحمه الله بالوحدانية لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، فقال: (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)،يعني: أقر وأعترف بأنه لا معبود بحق إلا الله.

لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، فالمعبود بالحق هو الله، وما عبد سواه فهو معبود بالباطل، والمعبودات كثيرة: عبدت الشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب، والبشر، والحجر، والأصنام، والأوثان، والجن، والإنس، والشياطين كلهم عبدوا لكن بالباطل، والعبادة بالحق هي عبادة الله وحده، كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:٦٢].

هذه كلمة التوحيد وهي أعظم كلمة، فأعظم كلمة وأفضل الكلام بعد كلام الله عز وجل كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) وهذه الكلمة العظيمة لأجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وانقسم الناس إلى شقي وسعيد، ولأجلها خلقت الجنة والنار، وقامت القيامة، وحقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وهي حق الله على عباده، من وحد الله وأخلص له العبادة فإنه لا يخلد في النار وهو من أهل الجنة قطعاً، ومن مات على التوحيد فهو من أهل الجنة قطعاً، لكن إن مات على توحيد خالص خال من الشرك والبدع والكبائر دخل الجنة من أول وهلة، فضلاً من الله تعالى وإحساناً، وإن مات على توحيد ملطخ بالمعاصي والكبائر والبدع دون الشرك فهو على خطر من العذاب أن يصيبه في القبر، قد يعذب في قبره، وقد تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة، وقد يعذب في النار، فهو تحت مشيئة الله، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

وإذا دخل النار فإنه يعذب فيها على قدر جرائمه ومعاصيه، وفي النهاية يخرج منها ولا يخلد، بل يخرج منها إلى الجنة بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين، ولا يبقى في النار إلا الكفرة، وإذا تكامل خروج العصاة الموحدين من النار ولم يبق منهم أحد أطبقت النار على الكفرة بجميع أصنافهم: اليهود والنصارى والوثنيين والملاحدة والشيوعيين والمنافقين، والمنافق في الدرك الأسفل منها، فلا يخرج منها أبد الآباد، كما قال سبحانه: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ} [الهمزة:٨] يعني: مطبقة مغلقة، {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:٩].

وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:٣٧]، وقال سبحانه: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧]، وقال سبحانه: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣] يعني: مدداً متطاولة، كلما انقضى حقب أعقبه حقب إلى ما لا نهاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>