للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خداع المنافقين وتذبذبهم وكسلهم في العبادات]

وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:١٤٢ - ١٤٣] فمن أوصاف المنافقين الخداع.

قوله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢] هذا جزاء الله في مقابلة خداعهم، فالله تعالى يخدع من خدعه، ويكيد من كاده، ويمكر بمن مكر به، وهي صفة كمال في حق الله؛ لأنها جزاء لهم في مقابلة مكرهم، فالمكر والخداع والكيد صفة نقص، لكنها إذا كانت جزاء لهم على أفعالهم صارت صفة مدح وكمال، فالله تعالى موصوف بالكمال ولا يشتق لله أسماء من هذه الصفات، فلا يقال: من أوصافه الماكر ولا الخادع، وإنما يقال: إن الله يمكر بمن مكر به، ويخدع من خدعه، ويكيد من كاده، ولا يقال: من أسمائه الماكر والكائد والخادع، وإنما هذا وصف للفعل، فما جاء مضافاً يبقى مضافاً.

ومن أوصافهم الكسل في العبادات، فالصلاة مع أنها أعظم العبادات البدنية، وأفرض الفرائض, وأوجب الواجبات بعد توحيد الله فهذه حالهم معها، قال الله عز وجل: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:١٤٢] وهذا فيه تحذير للمؤمن من أن يتصف بالكسل؛ فلابد للمسلم أن يقوم للصلاة وغيرها من العبادات وهو نشيط قوي وعنده رغبة؛ لأنه يعلم ما عند الله من المثوبة، بخلاف المنافق الذي لا يرجو ما عند الله، فلا يليق بمسلم أن يتصف بصفة الكسل عند إرادة الصلاة.

قوله تعالى: {يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:١٤٢] هذا وصف آخر من أوصاف المنافق وهو الرياء، أي: مراءاة الناس بالأعمال الصالحة، فإن المؤمن يعمل العمل ويخلص لله فيه ولا يرائي؛ لأن الرياء شرك وهو من صفات المنافقين.

قوله تعالى: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٤٢] هذا وصف آخر من أوصاف المنافقين، فقد وصفهم بثلاثة أوصاف عند الصلاة: بالكسل والرياء وعدم ذكر الله إلا قليلاً، وجاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً).

ووصف النبي صلى الله عليه وسلم المنافق في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (أن المنافق يؤخر صلاة العصر يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب قام فنقر أربعاً -أي: ينقرها كنقر الغراب لا يطمئن فيها- ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً) فالله تعالى يحذر المسلم من أن يتصف بصفات المنافقين.

ثم وصفهم تعالى بقوله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:١٤٣] أي: ليس عندهم ثبات، فهم مذبذبون بين المشركين والمؤمنين، فالمنافقون يأتون هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، وجه مع المؤمنين يظهرون الإسلام، ووجه مع الكفار يظهرون الباطل.

فعلى المسلم أن يثبت على التوحيد والطاعة والإيمان ولا يتذبذب ولا يكون مع الكفرة.

ثم قال الله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:١٤٣] وكما جاء في صحيح مسلم: (إن المنافق كالشاة العائر، تعير إلى هؤلاء وإلى هؤلاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>