للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفتي المشيئة والإرادة لله من الكتاب والسنة]

المشيئة ثابتة بالكتاب العزيز، وبالسنة المطهرة، ومن أدلتها من الكتاب قول الله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:٣٩]، وقال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا} [البقرة:٢٥٣]، وقال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:٢٥٣].

وكذلك الإرادة ثابتة بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:٢٥٣]، وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥].

قال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥]، والإرادة نوعان بخلاف المشيئة: النوع الأول: إرادة كونية خلقية ترادف المشيئة، أي: أن المشيئة والإرادة الكونية واحدة وهي تتعلق بكل ما يشاء الله فعله وإحداثه، فهو سبحانه إذا أراد شيئاً وشاءه كان هذا الشيء عقب إرادته هذه، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢]، وهذه الأوامر الكونية الخلقية ترادف المشيئة.

النوع الثاني: إرادة دينية شرعية تتعلق بما يأمر الله به عباده مما يحبه ويرضاه، وهذه هي المذكورة في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥]، وفي قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣]، هذه إرادة دينية شرعية، وقد جمع الله بين الإرادتين في قوله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥]، والإرادتان تجتمعان في حق المؤمن المطيع وتنفرد الإرادة الكونية في حق العاصي والكافر، ففي حق العاصي تكون الإرادة الكونية، وفي حق المؤمن تجتمع الإرادتان، وفي الإرادة الكونية لا يتخلف ما قضاه الله وأراده، بخلاف الإرادة الدينية الشرعية، فقد تحصل وقد لا تحصل، فالله تعالى أراد الإيمان من أبي بكر كوناً وقدراً، وأراده من أبي بكر ديناً وشرعاً فوقع، وأراد الإيمان من أبي لهب ديناً وشرعاً، ولم يرده كوناً قدراً، فوقعت الإرادة الكونية، ولم تقع الإرادة الدينية، فالله تعالى أراد من العباد أن يعبدوه، ويوحدوه، ويخلصوا له العبادة، وأراد منهم أن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، لكن أراده ديناً وشرعاً، أما كوناً وقدراً فله الحكمة البالغة فمن الناس من أراد منهم أن يعبدوه لحكمة بالغة، ومنهم من أراد ألا يعبدوه، فوقعت الإرادة الكونية والإرادة الدينية في حق المؤمن والمطيع، وتخلفت الإرادة الدينية في حق العاصي والكافر، ولهذا فإن قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣] إرادة دينية شرعية، ولو كانت إرادة كونية لأسلم كل أهل البيت لكن نجد أن: أبا لهب لم يسلم، إذاً: قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣]، هو إرادة كونية شرعية، وبهذا يتبين الفرق بين الإرادتين.

وأهل السنة والجماعة قسموا الإرادة إلى قسمين: إرادة كونية قدرية، وإرادة دينية شرعية، عملاً بالنصوص، فسلموا من التناقض، وأما أهل البدع فإنهم لم يعملوا إلا ببعض النصوص، فالجبرية من الأشاعرة والجهمية ما أثبتوا إلا الإرادة الكونية، وأنكروا الإرادة الدينية الشرعية فضلوا، والمعتزلة أثبتوا الإرادة الدينية الشرعية، وأنكروا الإرادة الكونية فضلوا.

والجبرية كالأشاعرة والجهمية استدلوا بالنصوص التي فيها إثبات الإرادة الكونية فقط، وأغمضوا أعينهم عن النصوص التي فيها إثبات الإرادة الدينية.

والمعتزلة استدلوا بالنصوص التي فيها إثبات الإرادة الدينية الشرعية فقط، وأغمضوا أعينهم عن النصوص التي تثبت الإرادة الكونية القدرية.

وأهل السنة أخذوا النصوص التي تثبت الإرادة الكونية القدرية وصفعوا بها وجوه المعتزلة، وأبطلوا مذهبهم.

وأخذوا نصوص الإرادة الدينية الشرعية وصفعوا بها وجوه الجبرية من الأشاعرة والجهمية، فأبطلوا معتقدهم، واستدلوا بأدلة هؤلاء وهؤلاء وأثبتوا الإرادتين، فسلموا من التناقض، فهداهم الله للحق وللصراط المستقيم الذي هو هدى بين ضلالتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>