للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة النفس لله عز وجل من الكتاب والسنة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومما نطق بها القرآن، وصح بها النقل من الصفات: النفس.

قال الله عز وجل إخباراً عن نبيه عيسى عليه السلام أنه قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:١١٦]، وقال عز وجل: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:١٢]، وقال عز وجل لموسى عليه السلام: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١]، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إلي شبراً اقتربت إليه ذراعاً، وإن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).

وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله الخلق كتب في كتاب -فكتبه على نفسه- فهو موضوع عنده على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي)].

قوله: (وصح بها النقل من الصفات: النفس)، ذكر المؤلف أن من صفات الله: النفس فأثبت لله نفساً، وجعلها من الصفات، وهذا قول لبعض العلماء، ومنهم من قال: إن النفس هي الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين ليس بصحيح، والصواب الذي عليه جمهور العلماء: أن المراد بالنفس ذاته عز وجل المتصفة بالصفات، وليس المراد بها ذاتاً مجردة عن الصفات، أو أنها صفة لله تعالى، بل المراد بنفس الله ذاته المتصفة بالصفات لا المجردة عن الصفات كما قاله بعضهم.

هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من المحققين.

وأما القول بأن النفس من الصفات، كما ذهب إليه الدارمي رحمه الله تعالى فغير صحيح، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في الجزء التاسع من صفحة (٢٩٢) ويراد بنفس الشيء ذاته وعينه، كما يقال: رأيت زيداً نفسه وعينه، وقد قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦]، وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤]، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨].

وفي الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لأم المؤمنين: (لقد قلت بعدك أربع كلمات، لو وزن بما قلتيه لوزنته: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته).

وفي الحديث الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).

فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء هو: (الله) أي: ذاته عز وجل المتصفة بصفاته، وليس المراد بها: ذاتاً منفكة عن الصفات، ولا هي صفة للذات، كما ذهب إلى ذلك المؤلف.

وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ.

والصواب: أن النفس هي الله وهي نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته، هذا هو الصواب الذي عليه المحققون خلافاً لما ذهب إليه المؤلف هنا فالصفات من العلم، والرحمة، والقدرة، والحب، والبغض إلخ، كلها صفات للنفس التي هي ذات الله.

وحديث أبي هريرة السابق رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد في المسند، وهو حديث قدسي: أي أن معناه من الله ولفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إلي شبراً اقتربت إليه ذراعاً، وإن اقترب إلى ذراعاً اقتربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) وفيه إثبات أن لله نفساً، والشاهد قوله: (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي).

<<  <  ج: ص:  >  >>