للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة المعية لله تعالى]

قوله: (وأنا معه حين يذكرني) ففيه إثبات المعية لله، وهي صفة أخرى له سبحانه، وهي هنا معية خاصة؛ لأن المعية نوعان: معية عامة، ومعية خاصة، أما المعية العامة فهي: معية الله لجميع الخلق، فالله تعالى مع خلقه بإحاطته واطلاعه، ونفوذ قدرته ومشيئته، ورؤيته لهم من فوق عرشه، وسماعه لكلامهم، والمعية العامة مقتضاها الاطلاع والإحاطة، وتأتي في صيغ المحاسبة، والمجازاة، والتخويف، كقوله سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة:٧]، وقوله سبحانه: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:٤] وقوله سبحانه: {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:١٠٨] وهذه المعية تكون للمؤمن والكافر.

أما المعية الخاصة: فهي خاصة بالمؤمنين كمعيته سبحانه للصابرين، كما قوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:٤٦]، وتكون للمتقين، كقوله: {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة:١٩٤] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨] وتكون مع الذاكرين، كما في هذا الحديث (وأنا معه حين يذكرني)، فهي خاصة بالمؤمن، ومقتضاها: النصر والتأييد والحب، وتأتي في سياق المدح والثناء، قال عز وجل: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠]، لما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر في الغار يوم الهجرة، فقال له أبو بكر: (يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا، يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، وهذه معية خاصة.

كذلك في قوله سبحانه لموسى وهارون: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]، فلما دخل فرعون معهم في الخطاب جاءت المعية العامة، قال تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء:١٥].

فهو سبحانه مع الناس كلهم بعلمه وإحاطته واطلاعه من فوق عرشه، وهو مع المتقين ومع الصابرين بعونه، ونصره، وتأييده، وتوفيقه، وتسديده سبحانه.

ولا منافاة بين المعية وبين الفوقية؛ لأن المعية ليس معناها الاختلاط والامتزاج؛ إذ المعية في لغة العرب هي: مطلق المصاحبة، أما أهل البدع كالجهمية والمعتزلة وغيرهم فقد ضاقت صدورهم وضاقوا ذرعاً بالجمع بين النصوص، وضربوا النصوص بعضها ببعض، وأبطلوا نصوص الفوقية والعلو والمعية، والتي تزيد على ثلاثة آلاف دليل، وقالوا: إن المعية توجب الاختلاط والامتزاج، وأن الله مع الخلق مختلط بهم، فنفوا صفات الفوقية، والمعية، والعلو، وهذا لجهلهم، وضلالهم، وانحرافهم، وزيغهم، واتباعهم الهوى، فالحديث فيه صفة المعية الخاصة للذاكرين: (وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)، وهم الملائكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>