للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معتقد أهل السنة في القرآن وذكر من خالفهم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والقرآن كلام الله عز وجل ووحيه وتنزيله، والمسموع من القارئ كلام الله عز وجل، قال الله عز وجل: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] وإنما سمعه من التالي، وقال الله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:١٥]، وقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، وقال عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء:١٩٢ - ١٩٤].

وهو محفوظ في الصدور، كما قال عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٩]].

قوله: (والقرآن كلام الله عز وجل ووحيه وتنزيله).

هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، وهو الذي دلت عليه النصوص، فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه وحروفه ومعانيه، فليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف، خلافاً لأهل البدع؛ فإن المعتزلة أنكروا أن يكون القرآن كلام الله، وقالوا: إن القرآن مخلوق لفظه ومعناه، وهذا كفر وضلال.

والأشاعرة يقولون: الكلام هو المعنى فقط دون الحروف، والحروف ليست كلام الله، وقالوا: ليس ما في المصحف كلام الله، وإنما كلام الله معنى قائم بنفس الرب، والرب سبحانه اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا القرآن أو عبر به محمد، على قولين، فمنهم من يقول: إن القرآن عبارة عما عبر به جبريل عن المعنى الذي في نفس الله، ومنهم من قال: إن الذي عبر به محمد.

وطائفة ثالثة من الأشاعرة قالوا: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ، والله تعالى لم يتكلم بالقرآن ولم يخرج منه.

وكلها أقوال باطلة.

إذاً: المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق لفظه ومعناه.

والأشاعرة يقولون: القرآن هو المعنى واللفظ مخلوق، فاللفظ كلام البشر.

فيكون مذهب الأشاعرة نصف مذهب المعتزلة، ولهذا فإن بعض الأشاعرة -والعياذ بالله- يغلون في هذا حتى قال أحدهم: المصحف ليس فيه كلام الله، والعياذ بالله، وقد يغلو بعضهم فيقوم يدوس المصحف بقدمه ويقول: ليس فيه كلام الله، نعوذ بالله.

وهذا كله ناشئ عن هذا المذهب الباطل القائل بأن القرآن هو المعنى القائم بنفس الله تعالى، وإن الحروف والألفاظ ليست كلام الله.

أما أهل السنة والجماعة فيقولون: القرآن كلام الله لفظه ومعناه، وحروفه ومعانيه، كما قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والقرآن كلام الله عز وجل ووحيه) يعني: أوحاه الله إلى جبريل فسمعه جبريل من الله عز وجل فنزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء:١٩٣] وهو جبريل {عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء:١٩٤] أي: يا محمد {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٤ - ١٩٥]، وقال الله تعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية:٢]، وقال تعالى: {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:٢]، فالقرآن منزل غير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق فقد كفر، فهو منزل حروفه ومعانيه ولفظه ومعناه.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والقرآن كلام الله عز وجل ووحيه وتنزيله، والمسموع من القارئ كلام الله) فإذا قرأ القارئ فأنت تسمع كلام الله، وأما الصوت فهو صوت القارئ، كما قال العلماء: الصوت صوت القاري والكلام كلام الباري.

والعباد مخلوقون بأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم وألفاظهم وأدائهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم)، فأضاف الصوت إليهم، فالصوت ينسب إلى الإنسان، وفي حديث البراء أنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فقرأ بسورة التين والزيتون فما سمعت صوتاً أحسن منه)، فأضاف الصوت إليه صلى الله عليه وسلم، فالصوت صوت العبد، والناس منهم من صوته حسن ومنهم من صوته غليظ ومنهم من صوته رفيع، والكلام كلام الله.

والدليل على أن المسموع من القارئ كلام الله قول الله عز وجل: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] فدل على أن المسموع كلام الله، وقال الله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:١٥]، فأضاف الكلام إلى الله.

وقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] فالذكر هو القرآن، وما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم هو من عند الله، فالله تعالى في العلو تكلم بهذا القرآن وسمعه جبريل ونزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

وهو محفوظ في الصدور، فإذا حفظه الحافظ فالقرآن محفوظ في صدره، كما قال عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٩]، وكيفما كان فهو كلام الله، فإن قرأه القارئ فالمقروء كلام الله، وإن سمعه السامع فإنه يسمع كلام الله، وإن حفظه الحافظ فالمحفوظ كلام الله، وإن كتبه الكاتب فالمكتوب كلام الله، وهو في هذه المواضع كلها حقيقة وليس مجازاً؛ لأنه لو كان مجازاً لصح نفيه فقيل: ما قرأ القارئ كلام الله، وما سمع السامع كلام الله، وما حفظ الحافظ كلام الله.

وهذا كلام باطل؛ فكلام الله مسموع حقيقة، مقروء حقيقة، محفوظ حقيقة، مكتوب حقيقة.

وأهل السنة لهم أدلة كثيرة على أن القرآن كلام الله، وأهل البدع من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم لهم شبه شرعية وشبه عقلية، وردود أهل السنة عليهم مثبتة في المطولات.

<<  <  ج: ص:  >  >>