للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة القرآن على إثبات صفة الاستواء]

وصفة الاستواء على العرش دلت عليها النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أما الكتاب العزيز فإن الله تعالى أثبت صفة الاستواء في سبعة مواضع من كتاب الله عز وجل سردها المؤلف رحمه الله، وكلها جاءت بلفظ الاستواء وجاءت كلها بحرف (على) الذي يدل على العلو الارتفاع، في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة الرعد، وفي سورة طه، وفي سورة الفرقان، وفي سورة السجدة، وفي سورة الحج، سبعة مواضع، كلها دلت على ثبوت صفة الاستواء، أما في سورة الأعراف فقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤]، فاستوى تعدى بـ (على)، التي تدل على العلو والارتفاع.

وفي سورة يونس قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس:٣].

وفي سورة الرعد قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:٢].

وفي سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] (على).

وفي سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:٥٩].

وفي سورة السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة:٤].

وفي سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:٤].

فهي سبعة مواضع لا ثامن لها في القرآن العظيم، وكلها جاءت بلفظ (على)، الذي يدل على العلو والارتفاع؛ لأن الاستواء له معان متعددة.

الأول: أن يأتي متعدياً بـ (إلى)، كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:١١]، فدل ذلك على العلو.

وأحياناً يتعدى بـ (الواو) التي تفيد المعية، كقوله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:٢٨].

ومثل: استوى الماء والخشبة.

وأحياناً يتعدى بلفظ (على) الذي يدل على العلو والارتفاع.

ونصوص الاستواء جاءت كلها في السبعة المواضع بلفظ استوى، وبلفظ (على) الذي يدل على العلو والارتفاع كقوله سبحانه: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:١٣].

وكلها صريحة على علو الرب على خلقه، وعلوه على العرش، والعرش هو سقف المخلوقات، وليس فوقه شيء، فالمخلوقات تنتهي من جهة العلو للعرش، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات.

ولهذا فإن نصوص الاستواء السبعة كلها من أدلة علو الله على خلقه؛ لأن نصوص أدلة علو الرب على خلقه كثيرة، أفرادها تزيد على ثلاثة آلاف دليل، وكلها تدل على علو الله على خلقه، ولكنها أنواع، ومن أنواعها الاستواء، فهو نوع من أدلة العلو.

ومع ذلك أنكرها أهل البدع، مع كونها صريحة وكثيرة، وقالوا: إنه ليس فوق المخلوقات، وسلكوا أحد مسلكين: المسلك الأول: قالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، وهو مع المخلوقات، وضربوا النصوص بعضها ببعض، وقالوا: إن أدلة المعية تبطل الفوقية وتناقضها، كقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤]، وقوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠].

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٣]، فقالوا: إن نصوص المعية هذه تناقض الفوقية وتبطلها، فقالوا: بالاختلاط، وقالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، تعالى الله عما يقولون، حتى قالوا: إن الله في كل مكان.

نعوذ بالله.

ولم ينزهوه عن الأماكن القذرة، تعالى الله عما يقولون، حتى قالوا: إنه في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل مكان.

تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

والمسلك الثاني: الذين أنكروا نصوص العلو والاستواء، وقالوا: بنفي النقيضين عن الله، فقالوا: بالنفي المحض، وقالوا: إن الله لا يكون مع المخلوقات، لا فوق المخلوقات، ولا مع المخلوقات، ولا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه، فيكون عدماً، بل أشد من العدم، فيكون ممتنعاً مستحيلاً، والمستحيل أشد من العدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>