للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقوال السلف في إثبات صفة الاستواء]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومالك بن أنس في قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر].

(الاستواء غير مجهول) يعني: أنه غير مجهول المعنى في اللغة العربية.

(والكيف غير معقول) يعني: كيفية استواء الرب لا تُعقل ولا تُعرف.

(والإقرار به إيمان) يعني: أنه يجب على الإنسان أن يقر بأن الله استوى على العرش.

والجحود به كفر؛ لأن في ذلك إنكار لكلام الله عز وجل، وهذا الأثر ورد عن أم سلمة رضي الله عنها، وورد عن الإمام مالك بن أنس، وورد عن ربيعة شيخ الإمام مالك، وله ألفاظ، والمشهور منها ما ورد عن الإمام مالك وهو قوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وثبت أن الإمام مالك رحمه الله كان يحدث في مجلس الحديث فجاءه رجل وهو يحدث فقال: يا مالك! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك رحمه الله ملياً، حتى علته الرحضاء وجعل يتصبب عرقاً من شدة هذا السؤال عليه، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ما أراك إلا رجل سوء، وأمر به أن يخرج من مجلسه ويبعد.

قوله: الاستواء معلوم أي: معناه معلوم في اللغة العربية؛ لأن الله تعالى أمرنا بتدبر القرآن والتفكر في معانيه، ولم يستثنِ آيات الصفات مثل آية الاستواء، قال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤]، وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢]، وقال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩]، وقال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:١٧].

والاستواء معلوم معناه في اللغة العربية، فاستوى بمعنى: علا وارتفع وصعد واستقر، وهذه المعاني الأربعة تدور عليها تفاسير السلف لصفة الاستواء، فالله تعالى مستو على عرشه بهذه المعاني الأربعة كما يليق بجلاله وعظمته.

والكيف غير معقول فما نعلم كيف استوى فالكيفية مجهولة لكن نعلم المعنى.

والإيمان به واجب؛ لأنه كلام الله، والسؤال عنه بدعة، فلا يُسأل عن الكيفية، وهذه المقالة رويت أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنه ولكن بسند فيه ضعف.

وروي هذا عن ربيعة شيخ الإمام مالك، وعن الإمام مالك رحمه الله، وما ينسب عن مالك صحيح، والأمة تلقته بالقبول عن الإمام مالك.

وهذا يقال في جميع الصفات وليس خاصاً بالاستواء فقط، فإذا قال قائل: ما معنى النزول؟ أو قال: كيف النزول؟ فنقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وإذا قال قائل: الله تعالى يتصف بالعلم، فكيف العلم؟ فنقول: العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وهكذا جميع الصفات.

وقد تلقى العلماء هذه المقالة عن الإمام مالك بالقبول، ورواية أم سلمة رضي الله عنها روتها كتب السنة والعقائد، فرواها اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وكذلك استدل بها شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى وغيرها، وقال: هذا الجواب روي عن أم سلمة موقوفاً ومرفوعاً ولكن إسناده مما لا يعتمد عليه، وكذلك رواه الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث، وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات وغيره، لكن سند الرواية عن أم سلمة ضعيف، وكذلك مسند الرواية عن ربيعة شيخ الإمام مالك، أما الرواية عن الإمام مالك فسندها ثابت.

وقصد المؤلف رحمه الله من الاستدلال بقول الإمام مالك وأم سلمة أن الأمة تلقت الصفات بالقبول، وأن الصحابة فهموا من نصوص الاستواء علو الله على خلقه، وأن هذا معلوم عند الصحابة، فهم فهموا نصوص الصفات ولهذا فسروها، فـ أم سلمة وربيعة ومالك فسروا هذه الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فسروها بالعلو، فقالوا: الاستواء معلوم، يعني معلوم معناه في اللغة العربية، ومعناه: الصعود والعلو والارتفاع والاستقرار.

وأما الكيفية فهي مجهولة، وأما الإيمان به فواجب، فيجب الإيمان بالاستواء؛ لأن الله أخبر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>