للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة]

قال المؤلف رحمه الله: [والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ونية يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤]، وقال عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤]، وقال عز وجل: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١]، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون -وفي رواية: بضع وستون- شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)، ولـ مسلم وأبي داود: (فأفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)].

الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل ونية، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فهو أربعة أشياء: قول القلب وهو تصديقه وإقراره، وقول اللسان وهو نطقه، وعمل القلب وهو النية والإخلاص والصدق والمحبة، وعمل الجوارح كالصلاة والصيام وغيرها.

هذا هو مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإذا أطاع الإنسان ربه ازداد إيمانه، وإذا عصى نقص إيمانه، وللعلماء عبارات في هذا، منها: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان -يعني: الجوارح- يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

ومنها: الإيمان قول وعمل ونية، والقول يشمل قول القلب وهو تصديقه وإقراره، وقول اللسان وهو النطق، والعمل يشمل عمل القلب مع النية والإخلاص، وعمل الجوارح مع النية، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فهو يزيد وينقص.

استدل المؤلف للزيادة بقوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤] وقوله سبحانه: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤]، وقال عز وجل: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١] وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون -وفي رواية: بضع وستون- شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)، هذا يدل على أن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، والحياء شعبة من الإيمان، فالحياء عمل قلبي، ولـ مسلم وأبي داود: (فأفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، إذاً: الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون -والبضع من ثلاثة إلى تسعة- كلها داخلة في مسمى الإيمان، أعلاها كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وبين الأدنى والأعلى شعب متفاوتة، منها ما يقرب من شعبة الشهادة: كالصلاة والزكاة والصوم والحج؛ فالصلاة شعبة، والصوم شعبة، والزكاة شعبة، والحج شعبة، والأمر بالمعروف شعبة، والنهي عن المنكر شعبة، وبر الوالدين شعبة، وصلة الرحم شعبة وهكذا أعلاها كلمة التوحيد وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.

(والحياء شعبة من الإيمان) أي: الحياء شعبة قلبية، والشعبة القولية مثل قول لا إله إلا الله، والشعبة العملية مثل إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة قلبية وهي من الإيمان، وخالف في ذلك المرجئة وهم أقسام، فأقربهم مرجئة الفقهاء ومنهم الإمام أبو حنيفة وأصحابه، والمشهور عن الإمام أبي حنيفة أن الإيمان شيئان: تصديق القلب والإقرار باللسان فقط، وأما عمل القلب والجوارح فليسا من الإيمان، ولكنهم يوافقون جمهور أهل السنة في أن الطاعات مطلوبة، ومرتكب الكبيرة يستحق العقوبة، إلا أنهم لا يسمونها إيماناً؛ إذ الأعمال لا تجتمع في مسمى الإيمان.

والرواية الثانية عن الإمام أبي حنيفة: أن الإيمان هو تصديق القلب، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد، وهذا مذهب الماتريدية.

وذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو النطق باللسان فقط، فمن نطق بالشهادتين فهو مؤمن كامل الإيمان، وإن كان مكذباً في الباطن يكون منافقاً مخلداً في النار، وهذا من تناقضهم، ويلزم على قولهم أن يكون المؤمن كامل الإيمان مخلداً في النار، فإذا نطق باللسان يقولون: هذا مؤمن كامل الإيمان، وإن كان مكذباً بقلبه يخلد في النار، فيجمعون بين متناقضين.

وأفسد منه مذهب الجهمية الذين يقولون: الإيمان هو معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب، فعلى مذهب الجهمية يكون إبليس مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، وفرعون مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه، إبليس يقول كما حكى الله عنه: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي} [ص:٧٩] فهو يعرف ربه بقلبه، وفرعون يعرف ربه بقلبه، يقول الله عن موسى أنه قال: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الإسراء:١٠٢]، واليهود مؤمنون على مذهب الجهم قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦]، وأبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات على الشرك مؤمن على مذهب الجهم؛ لأنه القائل: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً فتكون المرجئة أربع طوائف، أفسدها: مذهب الجهم القائلون بأن الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب، ويلزم على هذا المذهب أن يكون إبليس وفرعون واليهود وأبو طالب مؤمنين.

يليه في الفساد المذهب الثاني وهو مذهب الكرامية، وهو أن الإيمان هو النطق باللسان فقط، فإذا نطق بلسانه فإنه مؤمن كامل الإيمان، وهو مخلد في النار إذا كان مكذباً بقلبه.

المذهب الثالث: مذهب الماتريدية والأشاعرة: أن الإيمان هو تصديق بالقلب فقط، وهو رواية عن أبي حنيفة.

المذهب الرابع: مذهب مرجئة الفقهاء: أن الإيمان شيئان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>