للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستثناء في الإيمان]

قال المؤلف رحمه الله: [والاستثناء في الإيمان سنة ماضية، فإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ قال: إن شاء الله.

روي ذلك عن عبد الله بن مسعود وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد وأبي وائل شقيق بن سلمة ومسروق بن الأجدع ومنصور بن المعتمر وإبراهيم النخعي ومغيرة بن مقسم الضبي وفضيل بن عياض وغيرهم.

وهذا استثناء على يقين، قال الله عز وجل: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}].

الاستثناء في الإيمان سنة ماضية، فإذا قيل للرجل: أمؤمن أنت؟ قال: إن شاء الله، فأهل السنة والجماعة يرون أنه لابد من الاستثناء في الإيمان، ويكون الاستثناء راجع إلى العمل لا إلى تصديق القلب، فإذا قيل: أمؤمن أنت؟ فقل: إن شاء الله، يعني: بالنسبة للعمل؛ لأن الأعمال والواجبات متعددة، فلا يجزم الإنسان بأنه أدى ما عليه، بل يتهم نفسه ولا يزكيها بأنه أدى ما عليه، أما بالنسبة للتصديق فالاستثناء لا يرجع إلى التصديق، ولهذا فإن أهل السنة والجماعة يرون أنه يجوز الاستثناء بالنسبة للعمل لا بالنسبة لأصل الإيمان، ولهذا فإن بعض السلف إذا قيل له: أمؤمن أنت؟ قال: نعم.

آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.

وأما المرجئة فلا يستثنون في الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ويسمون أهل السنة الشكاكة؛ لأنهم يستثنون في إيمانهم.

وأما أهل السنة فيفصلون؛ فإن كان الاستثناء راجعاً إلى أصل الإيمان فإن هذا الاستثناء ممنوع، إما إذا أردت أن شعب الإيمان متعددة، والواجبات كثيرة، ولا تريد أن تزكي نفسك، ولا تدري بأنك أديت ما عليك، بل تتهم نفسك فقل: أنا مؤمن إن شاء الله، وكذلك إذا أراد الإنسان التبرك بذكر اسم الله فيقول: إن شاء الله، وكذلك إذا أراد عدم العلم بالعاقبة، وأن العاقبة لا يعلمها إلا الله جاز الاستثناء، أما إذا شك في الإيمان فإن هذا ممنوع، ولهذا يقول المؤلف: [والاستثناء في الإيمان سنة ماضية، فإذا سئل الرجل أمؤمن أنت؟ قال: إن شاء الله، روي هذا عن عبد الله بن مسعود وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد وأبي وائل شقيق بن سلمة ومسروق بن الأجدع ومنصور بن المعتمر وإبراهيم النخعي] وهؤلاء الأخيار كلهم من التابعين.

يقول المؤلف: [وهذا استثناء على يقين] يعني: أن الاستثناء في الإيمان لا يعني الشك في أصل الإيمان؛ لأن المستثني إذا أراد الشك في أصل الإيمان فهذا ممنوع، وإذا أراد العمل فلا بأس، قال الله عز وجل: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح:٢٧]، هذا استثناء، فالله استثنى وهو لا يشك سبحانه وتعالى، ولهذا قال الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح:٢٧]، قال أبو بكر الآجري رحمه الله: إن أهل العلم يستثنون في الإيمان لا على جهة الشك، نعوذ بالله من الشك في الإيمان، ولكن خوف التزكية لأنفسهم، ولاستكمال الإيمان، لا يدري أهو ممن استحق حقيقة الإيمان أم لا؛ وذلك أن أهل العلم والحق إذا سئلوا: أمؤمن أنت؟ قال: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار، وأشباهها، والناطق بهذا والمصدق به بقلبه مؤمن، وإنما الاستثناء في الإيمان لأنه لا يدري أهو ممن يستوجب ما نعت الله عز وجل به المؤمن من حقيقة الإيمان أم لا.

هذا طريق الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان الاستثناء في الأعمال الموجبة لحقيقة الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>