للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حقيقة الإيمان]

قال المؤلف رحمه الله: [والإيمان هو الإسلام وزيادة، قال الله عز وجل: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤]، وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت)، فهذه حقيقة الإسلام، وأما الإيمان فحقيقته ما رواه أبو هريرة فيما قدمناه، وروى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالس، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلاً هو أعجبهم إلي، فقمت فقلت: ما لك عن فلان؟! والله إني لأراه مؤمناً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً؟ ذكر ذلك سعد ثلاثاً، وأجابه بمثل ذلك، ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه)، قال الزهري: فنرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل الصالح.

قلنا: فعلى هذا قد يخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرج من الإسلام إلا إلى الكفر بالله عز وجل].

الإيمان هو الإسلام وزيادة، والإيمان أكمل من الإسلام، ولهذا فإن الإيمان يراد به أداء الواجبات وترك المحرمات، والإيمان لا يطلق إلا على المطيع، أما العاصي فيطلق عليه اسم الإسلام، ولا يطلق عليه اسم الإيمان، فالإيمان أعلى من الإسلام، وأعلى منه الإحسان، فكل محسن مؤمن، وليس كل مؤمن محسناً، وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، فالمؤمن الذي أدى الواجبات وترك المحرمات يقال له: مسلم، ويقال له: مؤمن، وأما المسلم فإن كان مطيعاً سمي مؤمناً، وإن كان عاصياً سمي مسلماً، ولا يسمى مؤمناً بإطلاق، بل لابد من القيد، فإن الإيمان هو الإسلام وزيادة، قال الله عز وجل: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤]، وجه الدلالة: أن الأعراب قالوا: آمنا وهم ما زالوا ضعفاء إيمان دخلوا في الإسلام حديثاً، فقالوا: آمنا، فرد الله عليهم: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤] أي: لم تصلوا إلى درجة الإيمان؛ لأنكم دخلتم في الإسلام من جديد، وما تمكن الإيمان في قلوبكم: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤]، فدل على أن الإسلام هو الإيمان وزيادة.

ومسمى الإسلام استدل له المؤلف رحمه الله بحديث عبد الله بن عمر في الصحيحين: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت)، يقول: فهذه حقيقة الإسلام، والأعمال الصالحة كالنطق بالشهادتين والصلاة والصوم والحج، والإيمان حقيقته فيما رواه أبو هريرة: (الإيمان بضع وسبعون شعبة -أو بضع وستون- فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، هذه حقيقة الإيمان.

إذاً: الإيمان شعب كثيرة تصل إلى بضع وسبعون، والبيهقي رحمه الله تتبع هذه الشعب وأوصلها إلى تسع وسبعين، وألف كتاباً سماه: شعب الإيمان.

إذاً: الإيمان حقيقته بضع وسبعون شعبة، والإسلام حقيقته الأعمال، واستدل المؤلف رحمه الله على أن الإسلام غير الإيمان، وأن الإيمان أكمل من الإسلام، وهو استسلام وزيادة، بحديث سعد بن أبي وقاص قال: (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالس، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً هو أعجبهم إلي)، أعطاه يعني: نفله من الغنيمة أو أخذ له من الأعطيات: (فقلت: ما لك عن فلان يا رسول الله ما أعطيته؟ والله إني لأراه مؤمناً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً؟) يعني: ما وصل إلى مرتبة الإيمان، (ذكر ذلك سعد ثلاث مرات، وأجابه النبي بمثل ذلك، ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه) فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل وغيره أحب إليه مخافة أن يرتد عن دينه فيكبه الله في النار، فيعطيه النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا حتى يتقوى إيمانه؛ لأنه لو لم يعط لارتد، فيكبه الله على وجهه في النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما يعطي ليتألف على الإسلام، لا عن هوى أو محاباة، فقوي الإيمان قد لا يعطيه، وضعيف الإيمان يعطيه حتى يتقوى إيمانه.

الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أو مسلماً) دل على أن الإسلام غير الإيمان، قال الزهري رحمه الله: فنرى أن الإسلام هو كلمة التوحيد وهي النطق بالشهادتين، والإيمان العمل الصالح، يقول الزهري: الإسلام هو النطق بالشهادتين، والإيمان هو العمل، مقصود الزهري أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإسلام، فالمقصود: أن الكافر إذا نطق بالشهادتين حكم بإسلامه، وإلا فحديث ابن عمر دل على أن العمل داخل في مسمى الإسلام؛ فقد ذكر فيه الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج.

ومتى يخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام؟ إذا عصى خرج من الإيمان إلى الإسلام فصار مسلماً وليس مؤمناً، فإذا كان مطيعاً يؤدي الواجبات، ويجتنب المحرمات، فإنه مؤمن بإطلاق، وإذا عصى خرج من الإيمان إلى الإسلام، فيسمى مسلماً ولا يسمى مؤمناً، أو يسمى مؤمناً بالقيد لا بإطلاق، فيقال: مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وإذا كان مطيعاً سمي مؤمناً بإطلاق، فعلى هذا قد يخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرج من الإسلام إلا إلى الكفر بالله عز وجل، نعوذ بالله من ذلك.

وذهب بعض العلماء إلى أن الإيمان والإسلام مترادفان، وهما اسمان لشيء واحد، ذهب إلى هذا محمد بن نصر المروزي وابن عبد البر والإمام البخاري، هذا هو القول الأول.

والقول الثاني: التفريق بينهما، وهو أن الإيمان هو أعمال القلوب، والإسلام هو أعمال الجوارح.

والقول الثالث: أنه تختلف دلالتهما بالاجتماع والافتراق، فإن افترقا فإنهما يشملان الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، وإن اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل؛ فإنه سأله عن الإسلام ففسره بالأعمال الظاهرة، وسأله عن الإيمان ففسره بالأعمال الباطنة، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وهذا هو الصواب: أنه تختلف دلالتهما بالاجتماع والافتراق.

فإذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، وإذا أطلق الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، فمثلاً: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، يدخل فيه الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] يدخل فيه الإيمان، فإذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة، كما في حديث الترمذي.

هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص والذي عليه المحققون.

<<  <  ج: ص:  >  >>