للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام]

قال المؤلف رحمه الله: [ونؤمن بأن الدجال خارج في هذه الأمة لا محالة؛ كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عنه.

وأن عيسى بن مريم عليه السلام ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيأتيه وقد حصر المسلمون على عقبة أفيق، فيهرب منه فيقتله عند باب لد الشرقي، ولد من أرض فلسطين بالقرب من الرملة على نحو ميلين منها].

من عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بأن الدجال خارج في هذه الأمة لا محالة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به الخبر، والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان يدعي أولاً أنه رجل صالح، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، فيقول للناس: أنا الرب، وسمي الدجال لكثرة دجله وكذبه، والدجال صيغة مبالغة، فهو الدجال الأكبر.

والسحرة الموجودون الآن كلهم دجاجلة صغار، لكن الدجال الذي يحكم في آخر الزمان، هو آخرهم وأكبرهم، وهو من أشراط الساعة الكبار التي تتبعها الساعة مباشرة، وقبله المهدي، وهو رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم يبايع له بين الركن وباب الكعبة، في وقت ليس للناس فيه إمام، والفتن والحروب كثيرة، وأهل السنة والجماعة تحصرهم الفتن في الشام.

ففي زمن المهدي يخرج الدجال، والملاحم في أيام المهدي قائمة بين المسلمين وبين اليهود والنصارى، وآخرها فتح القسطنطينية، ويعلق المؤمنون سيوفهم على شجر الزيتون، فيصيح الشيطان: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم، فيخرج الدجال، وهو على هذه الصفة، أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، معه جنة ونار يجري الله على يديه خوارق العادات الكثيرة، منها أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنتج، ومنها أنه يأتي إلى الجبال فتتبعه كنوزها، ويأتي إلى الرجل الذي لا يؤمن به فيقطعه نصفين، ويمشي بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيحييه الله فيقول له: مه، أما تؤمن بي؟ قال: ما ازددت فيك إلا بصيرة فأنت الدجال، ويدخل كل بلد إلا مكة والمدينة، فإن الملائكة تصف حولها تمنع الدجال من دخولها، ويأتي إلى المدينة فينعق ثلاث نعقات فيخرج إليه كل كافر وكافرة وكل منافق ومنافقة وكل خبيث وخبيثة، فعند ذلك تنفي المدينة خبثها ولا يبقى فيها إلا المؤمنون، فيتبعون الدجال، نسأل الله السلامة والعافية.

ويمكث في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول طوله سنة، تطلع الشمس ولا تغيب إلا بعد ثلاثمائة وستين يوماً، واليوم الثاني طوله شهر تطلع الشمس فلا تغيب إلا بعد ثلاثين يوماً، واليوم الثالث طوله أسبوع تطلع الشمس ولا تغيب إلا بعد سبعة أيام، وبقية الأيام كأيامنا، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نصنع في الصلوات في الأيام الثلاثة؟ قال: (اقدروا له قدره)، كل أربعة وعشرين ساعة خمس صلوات، والأحاديث في هذا كثيرة، منها حديث النواس بن سمعان وهو حديث طويل، ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم قصة الدجال، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث عبد الله بن عمرو - قام في الناس خطيباً عليه الصلاة والسلام وذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور، وإن الله ليس بأعور)، فأخذ العلماء من حديث الدجال إثبات العينين للرب؛ لأن الدجال أعور العين اليمنى، والله تعالى له عينان سليمتان سبحانه وتعالى، والأحاديث في هذا كثيرة، ومذهب أهل السنة والجماعة والمحدثين والفقهاء إثبات الدجال.

وأنكر الدجال الخوارج والمعتزلة والجهمية والجبائي المعتزلي وموافقيه، وقال بعضهم: إن الدجال خروجه صحيح، ولكن الذي يدعيه مخارق وخيالات لا حقائق لها.

وذكر النووي رحمه الله نقلاً عن عياض هذا في شرحه على صحيح مسلم وقال: (إن أحاديث الدجال حجة في مذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى، من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره) معه صورة الجنة والنار، فالذي يعصيه يضعه في النار التي يراها الناس وهي الجنة حقيقة، والذي يطيعه يضعه في الجنة التي يراها الناس الجنة وهي النار حقيقة.

يقول: (من ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله ومشيئته، ثم يعجزه الله بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى) في النهاية يقتله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ينزل عيسى بن مريم من السماء فيقتل الدجال قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:٢٧].

ولا شك أن فتنته فتنة عظيمة، وجاء في صحيح مسلم: (ما بين خلق آدم وقيام الساعة أمر أعظم وأكبر من الدجال)، فهو فتنة عظيمة ويأتي إلى أهل البادية الذين يطيعونه من الابتلاء والامتحان، وتكون أنعامهم سمينة وضروعها ممتلئة باللبن، والذين لا يطيعونه يصبحون جوعى وتموت أنعامهم، هذا من الابتلاء والامتحان، نسأل الله السلامة والعافية.

وبعض الناس أنكر الدجال والعياذ بالله، وأنكر نزول عيسى بن مريم، وهناك رجل يقال له: محمد فهيد أبو هيثم يقول: إن الدجال يمثل صورة الباطل، ونزول عيسى بن مريم يمثل صورة الحق، وإلا لا يوجد دجال ولا عيسى! فهؤلاء الذين يعتمدون على عقولهم العقلانيون ينكرون الدجال وينكرون عيسى، فيعملون بعقولهم وأهوائهم.

قال المؤلف رحمه الله: [وأن عيسى بن مريم عليه السلام ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق] نزول عيسى بن مريم ثابت في القرآن وفي السنة، قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:١٥٩].

وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم)، وفي لفظ: (لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم حكماً مقسطاً وإماماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد).

ينزل حكماً مقسطاً يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون فرداً من أفراد الأمة المحمدية: (حكماً مقسطاً) يعني: عادلاً (وإماماً عدلاً فيكسر الصليب) الصليب الذي يعبده النصارى يكسره عيسى، مبالغة في إبطال ما هم عليه، إذ يكسر الصليب ويقتل الخنزير الذي يأكلونه، ويضع الجزية أي: لا يقبل الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.

وعيسى عليه الصلاة والسلام ينزل ويحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيكون نبياً ومن هذه الأمة، فأفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى وهو نبي، ثم يليه أبو بكر الصديق، وكل نبي يأخذ الله عليه الميثاق: لئن بعثت محمداً وأنت حي لتؤمنن به ولتتبعنه.

إذاً: عيسى ينزل بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فيكون فرداً من أفراد الأمة المحمدية؛ لأن شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع؛ فلهذا يقول: وأن عيسى بن مريم ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيأتيه وقد حصر المسلمون على عقبة أُفَيق] أفيق هذه بلدة بين دمشق وطبرية، وهي عقبة طويلة نحو ميلين، كما ذكر في تاج العروس قال: [فيهرب منه -يعني: الدجال يهرب من عيسى- فيقتله عند باب لد الشرقي، (ولد) من أرض فلسطين بالقرب من الرملة على نحو ميلين منها] وجاء في الحديث الآخر أن الدجال إذا رأى عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء، ولو تركه لمات، لكنه يقتله عند باب لد.

<<  <  ج: ص:  >  >>