للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دلالة حديث (من اشتكى منكم فليقل ربنا الله الذي في السماء) على إثبات العلو]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى أبو الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اشتكى منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ).

رواه أبو القاسم الطبري في سننه].

هذا الحديث كما ذكر المؤلف رحمه الله رواه أبو القاسم الطبري في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ورواه أبو داود في سننه، ورواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه الدارمي في الرد على الجهمية، والبيهقي، والذهبي في العلو، والحديث ضعيف، ولكن المؤلف أورده لأن له شواهد، وكذلك أورده غيره من أهل العلم في إثبات العلو كهؤلاء الأئمة الذين رووه، واحتج به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم، وهذا الحديث مشهور في رقية المريض، فيقال هكذا: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة وشفاء من شفائك على هذا الوجع؛ فيبرأ بإذن الله).

والشاهد قوله: (ربنا الله الذي في السماء) أي: في العلو، فأثبت أن الله في السماء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي هذه المسألة أدلة من الكتاب والسنة يطول بذكرها الكتاب، ومنكِر أن يكون الله في جهة العلو -بعد هذه الآيات والأحاديث- مخالف لكتاب الله، منكِر لسنة رسول الله].

مسألة العلو ورد فيها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وأفراد الأدلة على العلو تزيد على ثلاثة آلاف دليل، ولا يمكن حصرها، وكلها تدل على أن الله فوق المخلوقات وفوق العرش، وكل نص فيه أن الله استوى على العرش فهو دليل على ذلك، وكل نص فيه أن الله في السماء فهو دليل على العلو، وكل نص فيه الفوقية فهو دليل على العلو، وكذلك كل نص فيه العلو، كقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:٢٥٥]، وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:١٨]، وكذلك كل نص فيه الصعود، كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ} [فاطر:١٠]، والصعود يكون من أسفل إلى أعلى، وهذا يدل على العلو، وكل نص فيه الرفع إلى الله يدل على العلو، وكل نص فيه النزول كقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر:١] يدل على العلو، وكل نص فيه السؤال عن الله بأين يدل على العلو، وهكذا، وكل نص فيه رفع الأصبع إلى السماء يدل على العلو، فهذه أنواع من الأدلة كثيرة لا حصر لها؛ ولذا قال المؤلف: (يطول بذكرها الكتاب)، يعني: هي كثيرة، لكن قد تحصر أنواع الأدلة مثلما ذكرت لكم، كنصوص الاستواء، ونصوص العلو، ونصوص الفوقية، ونصوص النزول، ونصوص الصعود وهكذا، وكل نوع تحته أدلة كثيرة، فمثلاً نجد تحت نصوص الاستواء سبعة أقوال من الأدلة، وأفرادها كما ذكر العلماء -كالعلامة ابن القيم وغيره- أنها تزيد على ثلاثة آلاف دليل.

قال المؤلف: (ومنكر أن يكون الله في جهة العلو -بعد هذه الآيات والأحاديث- مخالف لكتاب الله ومنكِر لسنة رسول الله) أي: أن الذي ينكر أن الله في العلو يكون مخالفاً لكتاب الله وسنة نبيه، وإذا كان جاحداً لهذه النصوص فإنه يكفر ويكون مرتداً، والعياذ بالله، أما إذا كان متأولاً فهذا قد لا يحكم عليه بالكفر؛ لأن هناك فرقاً بين الجاحد وبين المتأول، فالجاحد الذي أنكر كلام الله وجحده يكفر، فالذي يجحد قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فقد كذَّب الله، ومن كذَّب الله فقد كفر، أما الذي يتأول هذه الآية، فيقول: معنى استوى: استولى، لا يكفر، فهناك فرق بين الجاحد وبين المتأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>