للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام حول البسملة]

هذه خطبة المؤلف رحمه الله، افتتحها بالبسملة والحمد لله اقتداء بالكتاب العزيز، والله تعالى افتتح كتابه بـ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:١ - ٢]، والبسملة الصواب أنها آية منفصلة في أول كل سورة، وليست من السور، لا من الفاتحة ولا من غيرها.

والفاتحة سبع آيات، أولها {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، والآية السادسة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧]، والسابعة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧]، فهذه سبع آيات بدون البسملة على الصحيح من أقوال أهل العلم.

ويدل على ذلك نصوص منها، الحديث القدسي: أن الرب سبحانه وتعالى قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) فالمراد بالصلاة هنا الفاتحة؛ لأن الفاتحة لها أسماء، ومن أسمائها الصلاة، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، قال الله: حمدني عبدي، فقول الرب سبحانه: إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، دل على أن أول آية في السورة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة:٢]، ولم يقل إذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، فدل على أن أول آية: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).

فالمؤلف افتتح كتابه بالبسملة، (باسم الله)، يعني: أستعين باسم الله، والباء للاستعانة، و (الله) لفظ الجلالة لا يسمى به غيره، وهو أعرف المعارف، و (الله) أصلها الإله، ثم حذفت الهمزة، فاجتمعت اللامان، وأدغمت إحداهما في الأخرى.

والله هو: المألوه فإله بمعنى: مألوه، وهو المعبود التي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وتعظيماً وخوفاً ورجاء.

و (الرحمن) اسم من أسماء الله، لا يسمى به غيره، المشتمل على الرحمة، أي: ذو الرحمة.

و (الرحيم) اسم آخر، فالرحمن لا يسمى به غيره، والرحيم مشترك يطلق على الله وعلى غيره.

قال تعالى عن نبيه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، فوصف نبيه بأنه رحيم.

فأسماء الله نوعان: منها ما هو خاص به، لا يسمى به غيره، مثل: الله، والرحمن، وخالق الخلق، مالك الملك، النافع الضار، المحيي المميت، المعطي المانع.

ومنها ما هو مشترك، مثل: العزيز والعليم والسميع والبصير والحي والرحيم وغير ذلك.

فمعنى البسملة: أستعين بالله الرحمن المتصف بالرحمة.

وكل اسم من أسماء الله مشتق، فليست أسماء الله جامدة، بل هي مشتقة، مشتملة على الصفات.

فالرحمن مشتمل على صفة الرحمة، والعليم مشتمل على صفة العلم، والقدير مشتمل على صفة القدرة، والحكيم مشتمل على صفة الحكمة وهكذا، بخلاف الصفات مثل صفة الغضب وصفة الرضا، فلا يشتق له أسماء منها.

وأسماء الله وصفاته توقيفية فلا يقال: إن من أسمائه الراضي؛ لأن الله اتصف بالرضى ولا يقال إن من أسمائه الغاضب؛ لأنه يغضب، ولكن الأسماء مشتملة على الصفات.

قال: (والحمد لله وحده)، قد يقال: إن قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ)، رب اغفر وأعن يا كريم، والحمد لله وحده، حسبنا الله ونعم الوكيل، يعني: الله كافينا، ونعم الوكيل المتوكل عليه سبحانه، قد يكون هذا ليس من قول المؤلف.

ولهذا قال بعد ذلك: (قال الشيخ الإمام العالم الزاهد الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الحنبلي المقدسي).

فقوله: حنبلي يعني: حنبلي المذهب، وقد يكون مقلداً، وقد يكون مجتهداً، مثل: شيخ الإسلام وابن القيم ويسمى كل منهما حنبلياً؛ لأنهما ينتسبان إلى مذهب الحنابلة؛ ولأنهما وافقا الإمام أحمد في الأصول، وليس معنى ذلك: أنهما مقلدان، وإنما وافقوه في الأصول.

وقوله: (المقدسي): نسبة إلى بيت المقدس، رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>