للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أن يحرم الحاج في أشهر الحج]

الشرط الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج: فلو أحرم بها وفرغ منها قبل أشهر الحج فلا يلزمه الدم، وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة، فهذه أشهر الحج، ولو أنه اعتمر في رمضان فهو ليس من أشهر الحج، لكنه بعد ذلك يبدأ في الحج في أيام الحج ويكون مفرداً نقول: هذا مفرد للحج، وعلى ذلك لا يلزمه دم، لأنه ليس متمتعاً، ولو أن شخصاً اعتمر في آخر يوم من رمضان قبل غروب الشمس، وآخر اعتمر في أول يوم من شوال أو أول ليلة من شهر شوال، فالأول يكون مفرداً إذا حج من سنته، والآخر يكون متمتعاً إذا حج من سنته، وإذا أحرم بالعمرة وفرغ منها قبل أشهر الحج ثم حج في سنته لم يلزمه دم، لأنه لم يجمع بين نسكين في أشهر الحج، فلم يلزمه دم كالمفرد، ولو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهر الحج لم يجب عليه الدم.

وهنا المقصد: أنه أحرم في هذه العمرة قبل أشهر الحج، كأن يكون ذهب للعمرة في الليالي الأخيرة من رمضان، وأراد أن يقوم بالعمرة فما تمكن لمرض ألم به، فظل محرماً حتى انتهى رمضان، وجاء العيد فابتدأ المناسك، لكن إحرامه كان في غير أشهر الحج، وصار يعمل المناسك في أشهر الحج، ولكن البدء كان في غير أشهر الحج، فلو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهر الحج لم يجب عليه دم، لأن الإحرام نسك لا تتم العمرة إلا به، فلا تتم العمرة بغير الإحرام، وإحرامه من المناسك كان في غير أشهر الحج، فلم يلزمه دم التمتع كالطواف.

وهذه المسألة ليست متفقاً عليها وفيها خلاف، ولذلك يقول الإمام أحمد: عمرته في الشهر الذي أهل، واحتج بقول جابر السابق، ولأن الإحرام نسك من أعمال العمرة، فهذا قول الإمام أحمد رحمه الله.

وعند أبي حنيفة: إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحج فليس متمتعاً، وكأنه ينظر إلى الأغلب، فهذا الذي ذهب وأحرم في رمضان قائلاً: لبيك عمرة، ثم طاف بالبيت أربعة أشواط، ثم بعد ذلك حدث له شيء فلم يطف وتأخر حتى دخل عليه شهر شوال فأكمل الثلاثة الأشواط الباقية، يقول: إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحج فليس متمتعاً، لأنه لا يفسدها بوطء بعد ذلك إن وطئ وكأنه ينظر أن الأربعة عمل أكثر مناسك الطواف، والطواف ركن عند أبي حنيفة، والسعي بين الصفا والمروة واجب عنده وليس ركناً من الأركان، فكأنه نظر إلى أنه الركن الأعظم في العمرة، فما دام أنه أحرم وطاف بالبيت فقد عمل أكثر الطواف فلو وطئ أهله بعد الانتهاء من الطواف للعمرة فعمرته صحيحة، باعتبار أن السعي بين الصفا والمروة عنده واجب وليس ركناً من الأركان.

يقول النووي: إذا أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وفعل أفعالها في أشهره فالأصح عند الشافعية أنه ليس عليه دم التمتع، وبه قال جابر بن عبد الله وقتادة وأحمد وإسحاق وداود والجمهور.

وقال الحسن والحكم وابن شبرمة: يلزمه، وهنا بعض العلماء قالوا: إنه يلزمه، كالإمام أبي حنيفة وقبله الحسن وابن شبرمة، وذهب الجمهور إلى أنه لا يلزمه، وهو الراجح؛ وذلك أن الإحرام بالعمرة نسك، والذي لم يحرم لم يدخل في النسك بعد، فهذا فعل نسكاً للعمرة في غير أشهر الحج فيكون الحكم له.

ولو أنه أهدى للبيت هدياً خرج من هذا الخلاف، لكن الراجح هو ما ذكرنا، من أنه إذا أحرم في أشهر الحج فيلزمه الدم، وإذا أحرم في غير أشهر الحج حتى لو عمل المناسك كلها بعد ذلك فلا شيء عليه.

وهنا مسألة: إنسان ذهب إلى مكة فأحرم قبل غروب الشمس في آخر ليلة من رمضان فلما بدأ بالطواف كان بعد غروب الشمس وجاءه الخبر أن العيد غداً، فصار الآن في ليلة العيد من شوال، فيكون دخل في الأشهر الحرم أو في أشهر الحج فيكون الحكم أنه أتى بالإحرام في رمضان وليس في أشهر الحج فلا دم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>