للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لبس الثياب البيضاء والتطيب للرجال والنساء]

يستحب كون الإزار والرداء أبيضين، والثوب الجديد أفضل من الثوب القديم أو المغسول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خيار ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم).

إذاً: الثوب الأبيض أفضل ما يكون في لبس الإحرام، ويجوز غيره من الألوان.

ويستحب أن يتطيب في بدنه عند إرادة الإحرام، سواء الرجل أو المرأة، ولكن المرأة مقيد تطيبها بألا تكون في مجمع من الرجال، أو لن تختلط بهم، ولعله في الماضي عندما نقول: حج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه من أصحابه مائة وثلاثون ألفاً كان هذا العدد بالنسبة لهم كبيراً، ولكن الأرض واسعة فلن يحصل اختلاط بين الرجال والنساء في هذه الأماكن، وتستطيع المرأة أن تحترز إذا كانت متطيبة فتكون بعيدة، أما الآن فإن الأمر صعب، ففي كل مكان سيتحرك فيه الرجل أو المرأة سيكون حوله رجال ونساء كثر، فيصعب جداً أن تضع المرأة الطيب وتكون في هذا المكان، فرجع الحكم لمنع النبي صلى الله عليه وسلم النساء من التطيب في المساجد.

لكن إذا كان زمن العمرة ولا زحام، فمن الممكن أن تضع المرأة الطيب وتكون بعيدة عن الرجال؛ لفعل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، كأنما أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)، وبيص الطيب: هو لمعانه، فتقول: إنها كانت تضع للنبي صلى الله عليه وسلم طيباً في مفرق رأسه عليه الصلاة والسلام، والطيب إذا جاءت الشمس عليه ظهر له بريق ولمعان، فتقول: كأني أنظر إليه.

إذاً: فقد كان له جرم موجود في رأس النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: أنه لم يزله بعد إحرامه صلى الله عليه وسلم، فدل على جواز وضع الطيب قبل الإحرام، وأن يستديمه بعد الإحرام ولا يزيل أثره.

والرجل والمرأة في التطيب سواء فقد روى أبو داود عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام)، والسك: نوع من أنواع الطيب، قالت: (فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها)، فدل هذا على أن المرأة يجوز لها في الإحرام أن تضع الطيب حتى ولو سال على وجهها، ولكن بقيد: ألا تختلط وهي متطيبة بالرجال، فإذا كان ثمة زحام كما هو اليوم في الحج والعمرة فلا داعي أن تضع المرأة الطيب عليها.

فنهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يتطيبن عند الخروج إلى المسجد، وأمر المرأة التي تتطيب وتخرج من بيتها إلى المسجد أن ترجع إلى بيتها فتغسل عنها هذا الأثر، وجوز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحج والعمرة، والفرق بينه وبين الجمعة: أنه يكره للنساء الخروج متطيبات؛ لأن مكان الجمعة في المسجد يضيق على الرجال وعلى النساء، فيفوح من النساء رائحة الطيب، وفي هذا إثارة فتنة للرجال.

كما أن وقت الجمعة ضيق بخلاف وقت الحج أو العمرة فهو وقت طويل والمكان متسع، فلو أن المرأة ستكون بعيدة عن الرجال جاز لها ذلك، وإلا فلتجتنبه عند كثرة الزحام كما هو الحال الآن.

وإذا تطيب الرجل فله استدامته بعد الإحرام، والفرق بين الابتداء والاستدامة يشبه نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح الحاج المحرم أو أن يكون ولياً في نكاح، ولا يخطب المحرم، ولكن إذا كان متزوجاً فله استدامة ذلك على ما هو فيه، وكذلك وضع الطيب، فإذا كان متطيباً قبل الإحرام جاز له الاستدامة، ولكن ليس له أن يبدأ وضع الطيب بعدما لبس ثوب الإحرام وقال: لبيك عمرة أو لبيك حجة.

والإحرام هنا معناه عقد النية، فلو فرضنا أن المحرم لبس ثوب الإحرام، لكنه لم يقل: لبيك حجة، أو لبيك عمرة، فلا يدخله هذا في كونه محرماً، وإنما يصير محرماً بعقد النية وبالتلفظ بالتلبية.

إذاً: لا مانع أن يلبس الإحرام قبل الميقات، فإذا جاء عند الميقات قال: لبيك حجة، أو لبيك عمرة، كما يجوز له وهو لابس الإحرام أن يضع الطيب في شعره أو بدنه أو ثيابه، ولو انتقل الطيب أثناء إحرامه من مكان إلى مكان، كما لو وضعه في شعره فسال العرق من شعره على بدنه وفيه هذا الطيب فلا شيء عليه، أما لو أحرم ثم تعمد وضع يده على رأسه، ومسح بالطيب ثيابه فلا يجوز له ذلك؛ لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا)، ولو مس الطيب بيده عمداً فعليه الفدية؛ لأنه تعمد أن يطيب يده.

ولا يستحب تطييب ثوب المحرم عند إرادة الإحرام، وإذا طيبه قبل أن يقول: لبيك عمرة أو لبيك حجة فلا شيء عليه، فوضع الطيب على الرأس والثياب لا مانع منه، لكن نقول: لا يستحب أن يضع الطيب على ثيابه؛ لأن العادة في المحرم أن معه إزاراً واحداً ورداء واحداً ليس معه غيرهما، فإذا وضع في ثيابه الطيب فلابد أن يأتي عليه وقت يدخل الحمام ويخلع هذه الثياب، وإذا خلعها فأكثر الفقهاء على أنه لا يجوز له أن يلبسها مرة ثانية؛ لأنها تأخذ حكم الثياب المطيبة، وليس لك أن تلبس هذه الثياب، فخروجاً من الخلاف لا يضع في ثوبه شيئاً من الطيب، فإذا وضع في ثوب ونزعه لغسل أو غيره فليلبس ثوباً آخر غير هذا الثوب الذي فيه الطيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>