للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في حرم المدينة]

من الأحاديث الواردة في ذلك: ما ورد في الصحيحين عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المدينة حرام ما بين عير إلى ثور) وعير: جبل في المدينة.

قال أبو عبيد وغيره: عير، ويقال: عائر؛ جبل معروف في المدينة، قالوا: وأما ثور فلا يعرف أهل المدينة جبلاً يقال له: ثور، إنما ثور جبل بمكة، وكونهم لا يعرفون جبلاً بهذا الاسم في هذا الوقت لا يمنع أن يكون معروفاً قبل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، إذاً كان هناك جبل اسمه ثور وكأن هذا الجبل تغير اسمه بعد ذلك، فصار أهل المدينة لا يعرفون جبلاً فيها بهذا الاسم، الذي هو اسم ثور، لكن ذكره من قبل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث دليل على أنه كان معروفاً قبل ذلك.

وجاء في حديث آخر متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين لابتيها حرام)، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد مرفوعاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرماً، وإني أحرم ما بين مأزميها ألا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف)، إذاً وضح النبي صلى الله عليه وسلم أن المدينة حرام ما بين مأزميها، وفي رواية أخرى: (ما بين لابتيها) وفي الثالثة: (ما بين عير إلى ثور)، ولذلك ذكر العلماء حدها بأربعة حدود: حد من المشرق وحد من المغرب، وهما اللابتان، وحد من الشمال وحد من الجنوب، وهما الجبلان اللذان ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم عيراً وثوراً.

ثم قال صلى الله عليه وسلم يظهر هذا التحريم: (ألا يهراق فيها دم)، فإذا كان هذا دم صيد فإن دم الآدمي من باب أولى.

(ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف) إذاً شجر المدينة لا يخبط، وخبط الشجر بمعنى: أن يضرب على أغصان الشجر من أجل أن تتساقط الأوراق فتأكل منه الدواب، فالجائز هو أن يخبط لإطعام البهائم، أما أن تكسر الأشجار أو أغصانها، فمثلما هو حرام في مكة كذلك هو حرام في المدينة، ولكن في مكة جزاء الصيد، هو أن ينحر أو يهدي هدياً، وأما في المدينة فالجزاء شيء آخر، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد)، فإبراهيم عليه السلام أظهر التحريم في مكة، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، فدعا ربه وأظهر هذا التحريم الذي أراده الله سبحانه في المدينة.

قال: (لا ينفر صيدها)، إذاً صيد المدينة آمن مثل صيد مكة.

(ولا يعضد شجرها)، إذاً لا يكسر الشجر الذي في المدينة، كما لا يكسر الذي في مكة.

(ولا يختلى خلاها)، الخلا: هو الحشيش الذي على الأرض، وهو العشب، والكلأ، فلا يجوز لأحد أن يقطعه لغير سبب، إنما يجوز أن يرعى ويرتع فيه دواب الحرم.

(ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) إذاً اللقطة في المدينة لا تتملك مثل لقطة مكة، وإنما يلتقطها ليعرفها بأن يرفع صوته بالمناداة، أو بأي نوع من التعريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>