للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعتبر في الوقوف بعرفة]

والمعتبر في الوقوف في عرفة الحضور في أي موضع من عرفات، المهم أن يكون بها وليس خارجاً منها ولو في لحظة لطيفة، بشرط: كونه أهلاً للعبادة في هذا الوقت، سواء حضرها عمداً أو وقف مع الغفلة والبيع والشراء والتحدث واللهو، أو في حالة النوم، أو اجتاز بها في وقت الوقوف وهو لا يعلم أنها عرفات، فلو فرضنا أنه لا يعرف أنها عرفات، فذهب ووقف بها، ثم انطلق منها، وهو لا يزال يبحث عن عرفات إلى أن غربت الشمس، فقيل له: أنت كنت في عرفات، فهو واقف فيها ولم يكن يعرف أنها عرفات، ولكنه كان بها، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً) إذاً: هذا ممن شهد ووقف.

ولو لم يمكث أصلاً فيها، بل مر مسرعاً في طرف أو طريق من طرقها، أو كان نائماً على بعير فانتهى البعير إلى عرفات، فمر بها البعير ولم يستيقظ راكبه حتى فارقها، أو اجتازها في طلب غريم هارب بين يديه، أو بهيمة شاردة، أو غير ذلك مما هو في معناه، فيصح وقوفه في جميع هذه الصور ونحوها.

وهذه الصور ليس شرطاً أن تكون هي فقط، فقد يوجد غيرها، فلو أن إنساناً عاقلاً ليس مجنوناً ولا مغمى عليه وقف في عرفات ولو لحظة، وأدرك الوقت الذي هو وقت الوقوف، وبعد ذلك انطلق من هذا المكان، فله حجة كاملة، وحجته صحيحة.

لكن الخلاف في أنه لو أدرك هذا الجزء قبل وقت الزوال، والخلاف بين الحنابلة والجمهور: فالجمهور على أنه لا يحسب له شيء، والحنابلة على أنه لو كان قبل وقت الزوال فقد أدرك جزءاً من النهار فتحسب له حجة.

وقد ذكرنا أن الأرجح في ذلك: أن هناك فرقاً بين المعذور وبين غيره، ويحسب له الوقوف بعرفة سواء عرف أن هذه عرفة أو لم يعرف، وقد كنت راكباً باصاً مع الناس ووصلوا إلى عرفة ووقفوا في الباص وهم لا يعرفون هذا المكان أنه عرفة، فهم وقفوا مع الناس، ومكثوا فترة طويلة لم يعرفوا أنها عرفة إلى أن انصرفوا منها، ووصل بهم الباص إلى عرفة بعد غروب الشمس، وصاحب الباص مر بعرفة وهو لا يعرف أنهم دخلوا ولا أنهم خرجوا، فهم قد أدركوا عرفة في هذا اليوم، سواء بنية أو بغير نية، طالما أنه دخل ومر بها فحجه صحيح.

إذاً نقول: من وقف بعرفة وهو من أهل الوقوف، وعقله حاضر، وليس مغمى عليه مثلاً، فإذا وقف بها وهو مغمى عليه أو مجنون أو سكران فلا يصح حجه؛ لذهاب عقله في ذلك، فلا بد من حضور عقله في وقت وقوفه بعرفة.

ولو تخلل الجنون بين الإحرام والوقوف، أو بينه وبين الطواف، أو بين الطواف والوقوف، وكان عاقلاً في حال فعله فلا يضر ذلك، كالإنسان الذي تأتيه نوبات صرع مثلاً، فإذا كان في عرفات قبل أن يصل إلى عرفات جاءته نوبات صرع، ولم يدر نهائياً إلى أن طلع الفجر وهو على هذه الحال، فلا حج لهذا الإنسان، لكن إن كان يفيق ويصرع، فهذا حجه صحيح طالما أنه أدرك ولو لحظات أو لحظة في عرفة، وهو من أهل الوقوف وعقله معه.

<<  <  ج: ص:  >  >>