للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نحر الإبل وذبح البقر والغنم]

الخامس: يسن نحر الإبل وذبح البقر والغنم، وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الإبل كره ذلك وأجزأ عنه، ودليل النحر قول الله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢]، ونحر الإنسان معروف، فينحر الذابح بأن يطعن في لبة الذبيحة، والذبح من الأشياء التي فيها الرحمة بهذا الحيوان، أي: مجرد أن يذبح الحيوان أو ينحره فالدم ينقطع عن المخ، فيذهب الإحساس من الحيوان، ولذلك العلماء الذين يتكلمون في أمر الإعدام بأن يكون إما بأن يأخذ المعدوم الإبرة التي فيها سم فيموت، أو أن يضرب بالرصاص، أو نحو ذلك، يقولون: أفضل شيء -وهذا باعتراف الغربيين والأمريكان وغيرهم- في الإعدام وأرحم شيء فيه هو الذبح؛ لأن الذبح مجرد أن تنقطع منه العروق فليس هناك دم يصل إلى المخ فيذهب الإحساس.

أما الخنق بأن يشد الحبل على رقبة الإنسان فما زال الدم يصل فيه إلى المخ، فينتظر عشر دقائق أو ربع ساعة وقلبه ما زال ينبض ويتألم ألماً شديداً.

والسم الذي يوضع للإنسان -أي: حقنة سم- ينتظر الإنسان نصف ساعة وروحه ما زالت تخرج، إلى غاية أن تذهب في النهاية، ويتعذب عذاباً شديداً.

وكلما فكروا في خلاف ما ذكره الله عز وجل كان شيئاً باطلاً باعترافهم هم، وإن كانوا يعاندون في مسألة الذبح الإسلامي، يعاندون وهم أكثر من يعرف أن هذا الذبح أرحم بالحيوان من غيره، وإن كان الآن -على استحياء- يقولون: نحن نذبح فقط بعدما نضربها بالرصاص أولاً، فإما أن تضرب بطلقة في دماغها لتخديرها ثم تذبح، أو نحو ذلك، ولما ناقشهم بعض المسلمين من الأطباء قالوا: نحن يمكننا أن نذبح مباشرة، لكن ما الذي يعرفنا أنها هي الذبيحة، وقد تتخلص من يد الذابح وتقتل أحداً من الموجودين.

إذاً: كأن نظراتهم ليست لرحمة الذبيحة، وإنما من أجل ألا تهلك أحد الناس، وكانوا في الماضي يمنعون الذبح أبداً، ثم نظروا نظرة اقتصادية مالية نظرة طمع، فقالوا: الحيوان بدمه وزنه أثقل، وإذا ذبحناها نخرج دمها فتصير خفيفة، إذاً: فنجعلها أثقل من أجل أن تأتي لنا بمال أكثر، فهذه نظرتهم، فأخزاهم الله عز وجل بأن جعل الدم الذي بداخلها يعفن فيها ويفسد اللحم، ولا يبقى اللحم صالحاً الزمن الذي يريدونه، فتراجعوا قليلاً قليلاً ثم قالوا: دعنا نذبح، لكن قبل الذبح الذي فيه رحمة نطلق عليها رصاصاً ثم نذبح بعد ذلك.

والإسلام ليس فيه هذه التمثيليات وهذه الخيالات التي يزعمونها، وفي النهاية يقرون بأن الحق في الإسلام، وأن الذبح أسهل ما يكون، والإسلام يقول لنا: إما أن تذبح وإما أن تنحر، فإما الذبح الذي هو قطع وفري الأوداج، فهناك عرقان عرق في الشمال وعرق في اليمين، وهما الاثنان في الرقبة، ومهمتهما: أن يوصلا الدم إلى مخ الإنسان والحيوان، وهناك في نصف الرقبة القصبة الهوائية التي توصل الهواء والأكسجين، ووراءها المريء الذي يبتلع به الطعام.

فمن إكمال الذبح أن تقطع هذه الأربعة الأشياء، فإذا قطعت بعضها جاز الذبح، فإذا قطعت العرقين اللذين يوصلان الدم، أو قطعت الحنجرة التي توصل النفس فقد زهقت روح البهيمة، ولا شعور لها بعد ذلك بشيء، وإن كان فيها حركة واضطراب فإنما هي لدفع الدم الذي بداخلها للخروج إلى الخارج، ومن رحمة رب العالمين أن تقطع أكبر العروق الموجودة بحيث إن الدم الذي بالداخل يخرج كله أو أكثره بهذه الطريقة.

والنحر: هو الطعن في اللبة، واللبة: ثغرة العنق في الحيوان الذي تنحره وهو الجمل، فتكون السكينة لها نصل طويل تطعن به داخل اللبة، فيصل إما للقلب مباشرة، أو إلى الشرايين الرئيسية التي تخرج من القلب، بحيث إنه يقطع الشرايين، فلا يوجد دم يصل إلى المخ في هذه الحالة وتستريح الذبيحة بذلك.

فهذه الطريقتان في الإسلام: طريقة النحر، وطريقة الذبح للبهيمة، فيستحب في الإبل أن تنحر، ويستحب في البقر والغنم أن تذبح، وإذا عكس فالراجح أن ذلك صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>