للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وقت طواف الوداع وحكمه]

ووقته بعد فراغ المرء من جميع أموره؛ ليكون آخر عهده بالبيت، على ما جرت به العادة في توديع المسافر إخوانه وأهله، فيكون آخر شيء يودع أهله قبل أن يسافر، إذاً: البيت أولى آخر من تودعه بيت الله سبحانه وتعالى.

فإذا أراد الخروج طاف للوداع، وصلى ركعتي الطواف: فمثلاً: رجل يريد أن يسافر من مكة إلى المدينة، أو من مكة إلى بلده، فيطوف طواف الوداع، وهو واجب؛ لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه مسلم قال: (كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)، وهو عبادة مستقلة تلزم كل من حج.

وفي العمرة يسن أن تطوف للوداع، ولكنه في الحج فرض؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو من ضمن المناسك التي يقوم بها الإنسان في الحج، ولكن هذا تابع لهذا الذي أداه، لقول ابن عباس: (كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)، وفي رواية أخرى: (لا ينفرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت)، وفي رواية ثالثة عن ابن عمر: (من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحُيض، رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

إذاً: الحاج لابد أن يطوف طواف الوداع، والراجح: أنه ليس من مناسك الحج.

جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث للمهاجر بعد الصدر)، أي: أنه إذا انتهى من مناسك الحج يمكث ثلاثاً، وفي رواية: (للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة) كأنه يقول: لا يزيد عليها فليس له أن يمكث إلا ثلاثة أيام، وليس له أن يطوف الوداع في هذه الأيام الثلاثة في أولها، بل يطوف بعدما ينتهي.

إذاً: الذي هاجر من مكة إلى المدينة ليس من حقه أن يقيم بمكة بعد ذلك، إذ الهجرة لله سبحانه، وليس له أن يرجع إلى مكة، فيحرم على المهاجر أن يرجع إلى مكة مرة أخرى، ولذلك فإن مكة كانت أحب البلاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم أن يقيم بها، فهاجر إلى المدينة هجرة لله سبحانه وتعالى، وكذلك الصحابة الذين هاجروا معه من مكة إلى المدينة ليس لهم أن يرجعوا فيقيموا بمكة بعدما فتحت، فماذا لهم؟ لهم إذا ذهبوا لحج أو عمرة أن يمكثوا بعدما أنهوا المناسك ثلاثة أيام فقط.

فهنا في هذا الحديث يقول للمهاجرين: ليس لكم أن تقيموا بمكة بعدما انتهت المناسك إلا ثلاثاً، وإذا انتهت مناسك هؤلاء فالحج انتهى، ويقيمون ثلاثة أيام، ثم نأمرهم بطواف الوداع إذا خرجوا.

إذاً: طواف الوداع ليس من مناسك الحج، وإنما هو شيء تابع له، فإذا حج الإنسان البيت وانتهى من مناسكه كلها وجب عليه أن يطوف طواف الوداع، وجمهور أهل العلم على أن طواف الوداع واجب، والبعض يقول: هو من مناسك الحج، والبعض يقول: إنه ليس من المناسك، وهذا الراجح، فهو متعلق بالذهاب للحج، فيلزمه أن يطوف هذا الطواف.

<<  <  ج: ص:  >  >>