للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضابط قيام الحجة على من فعل ناقضاً من نواقض الإيمان

السؤال

ما ضابط قيام الحجة على من فعل ناقضاً من نواقض الإيمان؟ وهل هناك نواقض لا يعذر أحد بجهله بها؟ وما هو أفضل ما كتب في هذا الجانب؟

الجواب

قيام الحجة معناه: أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، أو يبلغه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ثم يخالف، قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:١٩]، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، وقال الله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥]، فمن بلغه الدليل فقد قامت عليه الحجة، وأما إذا لم يبلغه الدليل، أو كانت المسألة التي فعلها مسألة دقيقة خفية ومثله يجهلها فيكون معذوراً، كما في قصة الرجل ممن كان قبلنا الذي كان مسرفاً على نفسه، فلما حضرته الوفاة جمع بنيه وقال: أي أب كنت لكم؟ فأثنوا عليه، فقال: إنه لم يبتئر خيراً -يعني أنه لم يفعل خيراً- وأخذ عليهم العهود والمواثيق إذا مات أن يحرقوه، ثم يسحقوه ويطحنوه، ثم يذروه في البر، وفي لفظ: أن يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، وظن أنه يفوت على الله، وقال: والله لئن قدر الله علي وبعثني ليعذبني عذاباً شديداً.

فلما مات أحرقوه، ثم سحقوه وطحنوا عظامه ولحمه، ثم ذروه في البر وفي البحر، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر الله البحر فجمع ما فيه، وقال له: قم، فإذا هو إنسان قائم، فقال له: ما حملك على ذلك؟ فقال: مخافتك.

قال: فما تلافاه غيرها.

قال العلماء: إن الذي حمله على هذا ليس الإنكار، فهو لم ينكر البعث، ولم ينكر قدرة الله، ولكنه ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة وأحرق وسحق فإنه سيفوت على الله ولا يدخل تحت القدرة، وكان يعتقد أنه لو ترك ولم يحرق فإن الله يبعثه ويقدر عليه، فغفر الله له لجهله وخوفه العظيم، فالذي حمله على ذلك ليس الإنكار وليس العناد، وإنما حمله على ذلك الجهل والخوف العظيم، فغفر الله له.

فهذه مسألة دقيقة خفية بالنسبة إليه، فإذا كان الأمر الذي أنكره الإنسان من الأمور الدقيقة الخفية فإنه يُعلّم، وأما إذا كان يعيش بين المسلمين، وكانت المسألة واضحة، كأن يعبد غير الله -مثلاً- أو يذبح لغير الله وهو بين أظهر المسلمين يسمع القرآن، ويسمع النصوص؛ فإنه لا يعذر، فلو أن إنساناً يعيش بين المسلمين ثم فعل الزنا، فقيل له: لماذا تفعل الزنا؟ فقال: أنا جاهل لا أدري، فإنه يعذر؛ لأن المسألة واضحة، أو تعامل بالربا وهو يعيش بين المسلمين ثم قال: أنا جاهل لا أعرف حكم الربا، فهذا ليس بصحيح، أو سجد للصنم وهو بين المسلمين ثم قال: أنا جاهل، فهذا لا يعذر، وإنما يعذر في المسائل الدقيقة الخفية التي مثلها يجهلها مثله.

وأما ما كتب في ذلك فقد كتب العلماء في ذلك في كل مذهب من المذاهب الفقهية، فالحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف كتبوا ذلك في مؤلفاتهم في الفقه، وبوبوا (باب: حكم المرتد)، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، وذكروا أنواعاً كثيرة من نواقض الإسلام ومن المكفرات، ومن أكثر من كتب في هذا: (الأحناف)، فقد كتبوا شيئاً كثيراً، حتى قالوا: إنه لو صغّر المصحف أو المسجد وقال: مصيحف أو مسيجد على وجه التحقير فإنه يكفر، ويكون هذا من النواقض، نسأل الله العافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>