للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحكام المسافر]

السؤال

إذا كان الإنسان مسافراً سفراً أقل من أربعة أيام، فهل تجب عليه صلاة الجماعة والجمعة؟ وما الحكم إذا كانت مدة إقامته أكثر من أربعة أيام؟

الجواب

إذا نوى الإقامة في مكان أكثر من أربعة أيام فلا يقصر وإنما يتم، أما الجماعة فهي واجبة حتى على المسافر، فإذا وجد جماعة فإنه يجب عليه أن يصلي معهم، ولا يصل وحده، لكنه إذا صلى مع المسافرين وهو مسافر فإنه يقصر الرباعية، وإن صلى خلف المقيم أتم، والجماعة واجبة عليه.

أما إذا نوى أن يقيم أكثر من أربعة أيام؛ فإنه تنقطع أحكام السفر في حقه من أول فريضة، فيتم الصلاة الرباعية ولا يقصر، ولا يجمع بين الصلاتين، ولا يفطر في رمضان، ولا يمسح على الخف أكثر من يوم وليلة، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء.

وقال بعضهم: إذا نوى أكثر من ثلاثة أيام، تنقطع في حقه أحكام السفر.

وقال بعضهم: إذا نوى سبعة عشر يوماً.

وقال بعضهم: إذا نوى عشرين يوماً.

لكن الصواب الذي عليه جمهور العلماء والذي عليه الفتوى الآن: أن المدة التي إذا نواها المسافر تنقطع أحكام السفر فيها هي التي تزيد على أربعة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في حجة الوداع قدمها في يوم الرابع من ذي الحجة، وأقام في الأبطح أربعة أيام، ثم ارتحل إلى منى في اليوم الثامن.

قال العلماء: ما زاد عن هذه المدة يكون حكمه حكم المقيم.

وقال العلماء: الأصل أن المسافر هو الذي يرحل ولا يقيم، لكن استثنينا هذه المدة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

أما إقامته في مكة في غزوة الفتح فإنه أقام سبعة عشرة يوماً لم ينو فيها الإقامة؛ لأنه أقام لتثبيت قواعد التوحيد وهدم الشرك، وكذلك في تبوك أقام عشرين يوماً لم ينو فيها الإقامة، لكن السفرة التي نوى الإقامة فيها عزماً وجزماً هي في حجة الوداع، فنوى أربعة أيام.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى أنه ليس هناك مدة، وأن المسافر يترخص في السفر حتى يرجع إلى بلده، لكن هذا لا تطمئن إليه النفس؛ لأنه -على هذا القول- يكون العمال الذين جاءوا للعمل في غير بلادهم مسافرين ولو مكثوا عشر سنين، والطلاب الذين يدرسون حتى يتخرجوا من الجامعة هم مسافرون على هذا القول؛ لأنهم لم ينووا الاستيطان، وإنما ينوي الواحد منهم أنه يدرس في الجامعة ثم يرجع إلى بلده، وهو ليس مستوطن للبلد على هذا القول، والصلاة أمر عظيم ينبغي أن يحتاط له، فلا بد من أن يكون لها حد، وقول الجمهور فيه حد لها.

وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام أربعة أيام، لكن هذه مدة اتفاقية، فلو زادت المدة على خمسة أيام فإنه يقصر، وليس هناك دليل على أن ما زاد على أربعة أيام إقامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم اليوم الرابع وارتحل إلى منى في اليوم الثامن، ولو قدم في اليوم الأول سيكون قد أقام ثمانية أيام يقصر فيها الصلاة، وليس هناك دليل على تحديده بالأربعة.

لكن الجمهور قالوا: عندنا دليلان: الأول: السفر، والمسافر هو الذي يرحل وليس المقيم.

الثاني: أننا استثنينا هذه المدة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما استثنينا شيئاً؛ لأن الأصل في المسافر هو الذي يرحل، والمقيم ليس مسافراً.

وشيخ الإسلام يقول: المقيم في مكانه ليس مسافراً وإنما هو مقيم، والذي ليس بمسافر هو المستوطن، فالعمال والطلاب -عند شيخ الإسلام ابن تيمية - مقيمون وليسوا بمستوطنين، والمقيم في البلد مستوطن ولس مقيماً، وفرق بين المقيم والمستوطن.

وعلى كل حال فإن الصلاة أمرها عظيم، فينبغي أن يحتاط لها، وينبغي أن يكون هناك حد، وقول الجمهور هو الذي تطمئن إليه النفس، وهو الذي عليه الفتوى الآن، أما قول شيخ الإسلام ابن تيمية فليس عليه الفتوى الآن، وبه أفتى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>