للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم التوسل بالأنبياء والصالحين]

السؤال

ما حكم التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والصالحين، علماً أنه قد ورد في مجلة الإصلاح الإماراتية في قسم الفتوى جوازه، وساقوا أدلة على ذلك؟

الجواب

التوسل بالأنبياء والصالحين فيه تفصيل، فإن كان المقصود التوسل بمحبتهم والإيمان بهم فهذا مشروع.

وإن كان التوسل بذواتهم فهو من البدع، وهو ممنوع، وذلك مثل التوسل بذات فلان أو بجاه فلان.

وهذا هو نص السؤال وجوابه، كما ورد في المجلة: [هل التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والصالحين مشروع ولا غبار عليه؟ وهل التوسل يجب أن يكون في حالة حياتهم فقط أم بعد موتهم أيضاً؟ وما دليل ذلك؟ وهل توسل أحد من الصحابة أو التابعين؟ قال: الجواب: نعم، يجوز التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والصالحين، وهو مشروع؛ لقوله تعالى في سورة الإسراء: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:٥٧] والوسيلة: القربى، وقيل الدرجة، وقوله: (أيهم أقرب) معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى فيتوسلون به كما قال البغوي وغيره في التفسير].

معنى الوسيلة في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء:٥٧] التقرب إلى الله بطاعته.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:٣٥] فالوسيلة: هي العمل الصالح الذي يقرب إلى الله.

قال: [وأيضاً لما أخرجه الترمذي وابن ماجة في سننهما، والنسائي في عمل اليوم والليلة، والطبراني والحاكم والبيهقي وصححوه عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في)، قال عثمان بن حنيف: والله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط، والأدلة في ذلك متضافرة].

هذا الحديث معروف، ويسمى حديث الضرير، وقد اختلف العلماء في صحته، والصواب: أنه صحيح، ولكن فيه التوسل بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وبدعائه وهو حي، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو وهو يؤمن، فدعا له الرسول؛ ولهذا قال: (اللهم شفع في نبيك)، أي: اقبل دعاءه.

فهذا توسل في حياته بدعائه، وهذا ليس فيه إشكال، وليس فيه خلاف، وكونه توسل بدعاء حي حاضر بأن يدعو الله له لا بأس به، لكن التوسل بالميت هو الممنوع، ولهذا كان الصحابة يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويستسقون به إذا أجدبوا فيدعو وهم يؤمنون، فلما مات عليه الصلاة والسلام توسلوا بـ العباس.

وكان عمر إذا أجدب يقول: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، قم يا عباس! فادع الله)، فلو كانوا يتوسلون بذاته لتوسلوا بذاته وهو في قبره عليه الصلاة والسلام، لكن لما عدلوا عن التوسل به بعد موته إلى العباس دل على أنهم كانوا يتوسلون به بدعائه في الحياة، فلما مات قالوا: هذا لا يحل، فتوسلوا بدعاء العباس.

والخلاصة: أن حديث الأعمى صحيح، ولكن الأعمى توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا له وهو حي.

فالتوسل بالأنبياء والصالحين بذواتهم ممنوع عند أهل السنة والجماعة، وهو من البدع.

أما التوسل بمحبة الرسول والإيمان به واتباعه فجائز، فإن أصل الدين محبة الرسول والإيمان به واتباعه.

ثم قال: [ولا فرق في ذلك بين حياتهم ومماتهم؛ ذلك لأن التوسل في الحقيقة ليس بذواتهم المجردة، وإنما هو بما لهم من منزلة ومكانة وجاه عند الله سبحانه وتعالى، وهو باقٍ في الحياة وبعد الممات].

هذا خطأ، والصواب: أن التوسل بهم في حياتهم فقط بدعائهم أما بعد الموت فلا يتوسل بهم، إلا إذا توسل بالإيمان بالأنبياء ومحبة الصالحين فلا بأس؛ لأن الإيمان بالرسول ومحبة الصالحين عملك أنت، أما التوسل بذواتهم فممنوع، وبهذا يتبين أن هذا خطأ، وأنه على طريقة أهل البدع.

ثم قال: [ومما يؤيد ذلك الحديث المتقدم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم الضرير الدعاء ولم يقيده بزمن، أو يخصصه بأحد، وهذا ما صرح به في رواية لـ أبي خيثمة صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الضرير الدعاء المذكور قال له: (إن كانت حاجة فافعل مثل ذلك)، فهذا إذن صريح أو تصريح من المعصوم صلى الله عليه وسلم بالتوسل في سائر الأحوال].

وهذا غلط، والصواب هو مثلما سبق: أن التوسل بالصالحين بدعائهم في حياتهم أما بعد موتهم فلا، ولا يتوسل إلا بمحبتهم، وبالإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام والأنبياء فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>