للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل.

حدثنا هناد حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء).

حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق نحوه.

قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره، وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يتوضأ قبل أن ينام) وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود، وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق].

الأرجح أنه غلط من أبي إسحاق، وهو يخالف الأحاديث الصحيحة، فالمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان عليه جنابة وأراد أن ينام توضأ، وثبت في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أينام أحدنا وهو جنب؟! قال: نعم، إذا توضأ)، فينبغي للجنب أن يفعل أحد أمرين: الأول: أن يغتسل، وإذا أراد أن يؤجل الغسل إلى آخر الليل فليتوضأ وضوءه للصلاة، وكونه ينام بدون وضوء أقل أحواله الكراهة.

وأما هذا الحديث: (ولم يمس ماء) فهو رواية أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس، ولكن بعض المتأخرين صححه، وبعضهم حمله على الغسل فقال: (ولم يمس ماء)، أي: ولم يمس ماء للغسل.

وبعضهم قال: إن هذا حديث مستقل عن الأحاديث الأخرى، والأرجح أنه غلط من أبي إسحاق.

وفيه دليل على أن الجنب يجوز له أن ينام قبل أن يغتسل وقبل أن يتوضأ، لكن الحديث فيه مقال، والحديث أخرجه -أيضاً- أبو داود والنسائي.

وقد تكلم على هذا الحديث غير واحد من الحفاظ.

قال أحمد: ليس بصحيح، وقال أبو داود: هو وهم، وقال يزيد بن هارون: هو خطأ، وقال مهنا عن أحمد بن صالح: لا يحل أن يروى هذا الحديث، وفي علل الأثرم: لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى.

قال ابن مفوز: أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق، قال الحافظ: وتساهل في نقل الإجماع، فقد صححه البيهقي، وقال: إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه.

والعمدة ما ذكره المتقدمون والأئمة أنه خطأ، فما كان معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينام ولا يمس ماء، وتأوله بعضهم فقال: ولم يمس ماء للغسل، ولكن هذا بعيد.

قال ابن العربي في العارضة: تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق هاهنا مختصراً اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه، ونص الحديث الطويل ما رواه ابن غسان: حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحاق قال: أتيت الأسود بن يزيد -وكان لي أخاً وصديقاً- فقلت: يا أبا عمر! حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول وثب - وربما قالت: قام فأفاض عليه الماء، وما قالت: اغتسل -وأنا أعلم ما تريد، وإنما نام جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة).

قلت: وهناك حديث كذلك، وهو قوله في البخاري لـ عمر: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم.

إذا توضأ).

فكيف يقول له: (نعم إذا توضأ) وهو ينام ولا يتوضأ! قال: فهذا يدلك على أن قوله: (فإن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء) أنه يحتمل أحد وجهين: إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام، فإن وطئ توضأ كما في آخر الحديث، ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء، وبقوله: (ثم ينام ولا يمس ماء) أي: ماء الاغتسال، ومتى لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره، فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم، والله أعلم.

وهذا هو الأقرب، وهو أنه وهم.

والمقصود أنه إذا توضأ زال الإشكال، وأنه خفف الجنابة، وكونه يغتسل أولى وأفضل، لكن قد تدعو الحاجة إلى أن ينام قبل أن يغتسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>