للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (حتيه ثم أقرصيه بالماء ثم رشيه)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب.

حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه).

قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس بنت محصن.

قال أبو عيسى: حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الدم يكون على الثوب فيصلي فيه قبل أن يغسله، قال بعض أهل العلم من التابعين: إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسله وصلى فيه أعاد الصلاة، وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك، ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم عليه الإعادة وإن كان أكثر من قدر الدرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال الشافعي: يجب عليه الغسل وإن كان أقل من قدر الدرهم وشدد في ذلك].

هذا الحديث الذي ذكره المؤلف في هذا الباب فيه دليل على جوب غسل دم الحيض وأنه نجس، وقوله: (حتيه) يعني: حكيه، أي: تحكه بعود أو بغيره حتى تزيل عين النجاسة.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه) فيه دليل على أن دم الحيض نجس، وهذا بالإجماع، أما غير دم الحيض ففيه خلاف، وقد نقل النووي الإجماع على أن الدم نجس، فأما الدم المسفوح من الذبيحة وقت الذبح فلا إشكال فيه، وأما ما يكون في العروق فهذا معفو عنه في اللحم.

فالدم الذي يصيب الشخص إذا كان دم حيض فلا شك في نجاسته، أما إذا كان غير دم الحيض فالأحوط الغسل، والتحديد بدرهم أو بأقل من درهم ليس عليه دليل، ولكن الشيء اليسير يعفى عنه، وهذا يرجع إلى العرف، وما زاد على ذلك يغسل.

قال صاحب كتاب (تحفة الأحوذي) رحمه الله: قوله: (فقال بعض أهل العلم من التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسل وصلى فيه أعاد الصلاة) جاء فيه حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم).

، وفي لفظ: (إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب، وأعيدت الصلاة)، قال البخاري: حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث.

وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اخترعه أهل الكوفة، وكان روح بن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وذكره -أيضاً- من حديث نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، وأغلظ في نوح بن أبي مريم، كذا في تخريج الزيعلي.

(وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، وهو قول سفيان وابن المبارك) وهو قول الحنفية.

وقال صاحب الهداية: قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة -كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار- جازت الصلاة معه، وإن زاد لم يجز، قال لنا: إن القليل لم يمكن التحرز عنه، فيجعل معفواً، وقدرناه بقدر الدرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء.

انتهى.

قال العيني في شرح البخاري: وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن علي وابن مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم، وكفى بهما حجة في الاقتداء.

وروي عن عمر -أيضاً- أنه قدره بظفره، وفي المحيط: وكان ظفره قريباً من كفنا، فدل على أن ما دون الدرهم لا يمنع.

انتهى.

قلت: لا بد للحنفية أن يثبتوا صحة آثار علي وابن مسعود وعمر رضي الله عنهم المذكورة، وبمجرد ذكر صاحب الأسرار هذه الآثار لا يصح الاستدلال بها، وإني قد فتشت كثيراً لكن لم أقف على أسانيدها ولا على مخرجيها، فالله تعالى أعلم كيف حالها.

وأما قول الحنفية: إن ظفر عمر كان قريباً من كفنا، فهذا ادعاء محض لم يثبت بدليل صحيح، نعم ثبت أنه رضي الله عنه كان طويل القامة، قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه (التلقيح) ما لفظه: تسمية الطوال عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وقيس بن سعد وحبيب بن مسلمة وعلي بن عبد الله بن عباس.

انتهى، ومن المعلوم أن كون عمر من طوال الصحابة لا يستلزم أن يكون ظفره قريباً من كفنا.

وأما تقديرهم أخذاً عن موضع الاستنجاء فيه -أيضاً- كلام لا يخفى على المتأمل).

هذا القول يحتاج إلى دليل، وقد ذكرنا أن تقدير اليسير يرجع إلى العرف، فدم الحيض لا شك في نجاسته، ويجب غسل قليله وكثيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>