للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقوال العلماء في كيفية تطهير الأرض المتنجسة]

في الحديث دليل على أن النجاسة إذا كانت في الأرض يصب عليها الماء وهو كاف، ولا يحتاج إلى نقلها، إلا إذا كانت النجاسة مثل العذرة والدم فتنقل وتزال، ثم يصب عليها الماء.

والعلماء تكلموا في ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة وقالوا: إذا وردت النجاسة على الماء -كما لو صب بول في إناء فيه ماء- فإنه ينجس، إلا إذا كان أكثر من القلتين، أما إذا ورد الماء على النجاسة -مثل بول الأعرابي- فإنه يطهرها، ولو أقل من قلتين، فهذا ذنوب من ماء لا يبلغ قلتين، ومع ذلك طهر النجاسة، ففرقوا بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة.

والنجاسة لا يطهرها الشمس والريح، خلافاً لـ أبي حنيفة! فـ أبو حنيفة يقول: تطهرها الشمس والريح، ولو كانت تطهرها الشمس والريح لتركها النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أمر بصب الماء عليها، فدل على أنه لا بد من الماء، وأن الريح والشمس لا يكفيان في تطهير النجاسة، لكن لو نزل المطر من السماء تطهرت؛ لأنها لا تحتاج إلى نية، أو كان ثوب فيه نجاسة ثم نزل عليه المطر فإنه يطهر، بخلاف دفع الزكاة، فلو دفعت الزكاة عن شخص فإنها تجزي حتى ينوي؛ لأنها عبادة، وكذلك الاستنجاء والاستجمار، فإذا استنجيت أو استجمرت ولم تنو كفى ذلك، بخلاف الوضوء، فالوضوء لابد فيه من النية.

والبلاط إذا وقع عليه البول فإنه يصب عليه الماء ويكاثر ويكفي ذلك، مادام أن النجاسة ليس لها جرم، أما إذا كان لها جرم -كالعذرة- فإنها تنقل ثم يصب الماء على ما بقي.

قال الشوكاني في النيل: استدل به -يعني حديث الباب- على أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالماء لا بالجفاف بالريح والشمس؛ لأنه لو كفى ذلك لما حصل التكليف بطلب الماء، وهو مذهب العترة والشافعي ومالك وزفر.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: هما مطهران؛ لأنهما يحيلان الشيء.

قوله: (يحيلان) يعني: يحولان.

وقال النووي في شرح مسلم: وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها، ولا يشترط حفرها، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا تطهر إلا بحفرها.

وقال الحافظ في الفتح: كذا أطلق النووي وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بينما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها.

انتهى كلام الحافظ.

قلت: الأمر كما قال الحافظ.

وقال العيني في شرح البخاري: قال أصحابنا - يعني الحنفية-: إذا أصابت الأرض نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة صب عليها الماء حتى يتسفل فيها، وإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وتسفل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيها العدد، وإنما هو على اجتهاده وما هو في غالب ظنه أنها طهرت، ويقوم التسفل في الأرض مقام العصر فيما لا يحتمل العصر، وعلى قياس ظاهر الرواية يصب عليها الماء ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة وإن كانت الأرض صلبة، فإن كانت صعوداً يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل إلى الحفيرة ثم يكبس الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزال عنها الماء لا يغسل؛ لعدم الفائدة في الغسل، بل تحفر.

وعن أبي حنيفة: لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب انتهى كلام العيني.

هذا ليس بصحيح، والصواب أنه يصب عليها الماء، ويكفي ذلك والحمد لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>