للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حد المحدث والحافظ والمسند]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فائدة في حد المحدث والحافظ والمسند.

قال السيوطي في التدريب: اعلم أن أدنى درجات الثلاثة (من المحدث والحافظ والمسند) والمسند - بكسر النون - وهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به، أو ليس له إلا مجرد رواية، وأما المحدث فهو أرفع منه.

قال الرافعي وغيره: إذا أوصى للعلماء لم يدخل الذين يسمعون الحديث، ولا علم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة والمتون؛ لأن السماع المجرد ليس بعلم.

وقال التاج بن يونس في شرح التعجيز: إذا أوصى المحدث تناول من علم طرق إثبات الحديث وعدالة رجاله؛ لأن من اقتصر على السماع فقط ليس بعالم، وكذا قال السبكي في شرح المنهاج.

وقال القاضي عبد الوهاب: ذكر عيسى بن أبان عن مالك أنه قال: لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ عمن سواهم: لا يؤخذ عن مبتدع يدعو إلى بدعة، ولا عن سفيه يعلن بالسفه، ولا عمن يكذب في أحاديث الناس وإن كان يصدق في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عمن لا يعرف هذا الشأن.

قال القاضي: فقوله: ولا عمن لا يعرف هذا الشأن.

مراده: إذا لم يكن ممن يعرف الرجال من الرواة، ولا يعرف هل زيد في الحديث شيء أو نقص؟ وقال الزركشي: أما الفقهاء فاسم المحدث عندهم لا يطلق إلا على من حفظ سند الحديث، وعلم عدالة رجاله وجرحها دون المقتصر على السماع.

وقال الشيخ تقي الدين السبكي: أنه سأل الحافظ جمال الدين المزني عن حد الحفظ الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يطلق عليه الحافظ، قال: يرجع إلى أهل العرف.

فقلت: وأين أهل العرف قليل جداً؟ قال: أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم؛ ليكون الحكم للغالب.

فقلت له: هذا عزيز في هذا الزمان، أدركت أنت أحداً كذلك؟ فقال: ما رأينا مثل الشيخ شرف الدين الدمياطي.

ثم قال: وابن دقيق العيد كان له في هذا مشاركة جيدة، ولكن أين السهى من الثرى؟ فقلت: كان يصل إلى هذا الحد.

قال: ما هو إلا كان يشارك مشاركة جيدة في هذا، أعني: في الأسانيد، وكان في المتون أكثر؛ لأجل الفقه والأصول.

وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: وأما المحدث في عصرنا: فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه حظه، واشتهر فيه ضبطه، فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله منها، فهذا هو الحافظ.

وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم: كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء فذلك بحسب أزمنتهم.

انتهى.

وسأل شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر شيخه أبا الفضل العراقي فقال: ما يقول سيدي في الحد الذي إذا بلغه الطالب في هذا الزمان استحق أن يسمى حافظاً، وهل يتسامح بنقص بعض الأوصاف التي ذكرها المزني وأبو الفتح في ذلك؛ لنقص زمانه أم لا؟ فأجاب: الاجتهاد في ذلك يختلف باختلاف غلبة الظن، في وقت ببلوغ بعضهم للحفظ وغلبته في وقت آخر، وباختلاف من يكون كثير المخالطة للذي يصفه بذلك، وكلام المزني فيه ضيق، بحيث لم يسم ممن رآه بهذا الوصف إلا الدمياطي، وأما كلام أبي الفتح فهو أسهل، بأن ينشط بعد معرفة شيوخه إلى شيوخ شيوخه وما فوق.

ولا شك أن جماعة من الحفاظ المتقدمين كان شيوخهم التابعين، أو أتباع التابعين، وشيوخ شيوخهم الصحابة أو التابعين، فكان الأمر في هذا الزمان أسهل باعتبار تأخر الزمان، فإن اكتفي بكون الحافظ يعرف شيوخه وشيوخ شيوخه، أو طبقة أخرى، فهو سهل لمن جعله فيه ذلك دون غيره من حفظ المتون والأسانيد، ومعرفة أنواع علوم الحديث كلها، ومعرفة الصحيح من السقيم، والمعمول به من غيره، واختلاف العلماء واستنباط الأحكام، فهو أمر ممكن بخلاف ما ذكر من جميع ما ذكر، فإنه يحتاج إلى فراغ وطول عمر وانتفاء الموانع.

وقد روي عن الزهري أنه قال: لا يولد الحافظ إلا في كل أربعين سنة.

فإن صح كان المراد: رتبة الكمال في الحفظ والإتقان، وإن وجد في زمانه من يوصف بالحفظ، وكم من حافظ وغيره أحفظ منه.

انتهى ما في التدريب مختصراً.

وقيل: الحافظ من أحاط علمه بمائة ألف حديث.

والحجة: من أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث.

والحاكم: من أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متناً وإسناداً وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً.

وذكر القاري في شرح شرح النخبة عن العلامة الجزري أن الراوي: هو الناقل للحديث بالإسناد.

والمحدث: من تحمل الحديث رواية واعتنى به دراية.

والحافظ: من روى ما يصل إليه ووعى ما يحتاج إليه].

<<  <  ج: ص:  >  >>