للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في النضح بعد الوضوء]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في النضح بعد الوضوء.

حدثنا نصر بن علي الجهضمي وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي البصري قالا: حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءني جبريل فقال: يا محمد! إذا توضأت فانتضح).

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.

قال: وسمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث.

قال: وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان وابن عباس وزيد بن حارثة وأبي سعيد الخدري.

وقال بعضهم: سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان.

واضطربوا في هذا الحديث].

قوله: (هذا حديث غريب) قد أخرجه ابن ماجة.

وقوله: (وسمعت محمداً يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث).

قال في شرح النخبة: قولهم: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث، أشد من قولهم: ضعيف، أو: ليس بالقوي، أو: فيه مقال.

اهـ.

قال الذهبي في الميزان: ضعفه أحمد والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وقال البخاري: منكر الحديث.

اهـ.

قلت: حديث الباب ضعيف، وفي الباب أحاديث عديدة، يدل بمجموعها على أن له أصلاً.

وقد بوب الترمذي: النضح بعد الوضوء، والنسائي قال في سننه: باب النضح، والأحاديث في هذا ضعيفة، لكن الشارح يرى أن مجموعها يدل على أن له أصل؛ لأن هذا إنما يفعل إذا كان عنده وسواس، فيرش ما حوله حتى تزول عنه الوساوس، لئلا يتوهم أنه خرج من ذكره شيء.

قال أبو بكر بن العربي: اختلف العلماء في تأويل الحديث على أربعة أقوال: معناه: إذا توضأت فصُبَّ الماء على العضو صباً، ولا تقتصر على مسحه؛ فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل.

معناه: استبرئ الماء -أي: استبرئ البول -بنثر الذكر والتنحنح، يقال: نضحت: استبرأت، وانتضحت: تعاطيت الاستبراء له.

الثالث معناه -وهذا هو المتبادر إلى الذهن-: إذا توضأت فرُشَّ الإزار الذي يلي الفرج؛ ليكون ذلك مُذهباً للوسواس.

الرابع معناه: الاستنجاء بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين الأحجار، فإن الحجر يخفف الوسخ، والماء يطهره، وقد حدثني أبو مسلم المهدي قال: من الفقه الرائق: الماء يذهب الماء، معناه: أن من استنجى بالأحجار لا يزال البول يرشح فيجد منه البلل، فإذا استعمل الماء نسب الخاطر ما يجد من البلل إلى الماء، وارتفع الوسواس.

انتهى كلام ابن العربي ملخصاً.

وقال الخطابي في معالم السنن: الانتضاح هاهنا: الاستنجاء بالماء، وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة ولا يمسون الماء، وقد يتأول الانتضاح أيضاً على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء؛ ليدفع بذلك وسوسة الشيطان.

اهـ.

وذكر النووي عن الجمهور أن الثاني هو المراد هاهنا، وهو: رش الفرج، والانتضاح: رش الماء.

وفي جامع الأصول: الانتضاح: رش الماء على الثوب ونحوه، والمراد به أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماءً؛ ليذهب عنه الوسواس الذي يعرض له، لتوهمه خروج شيء من ذكره، فإذا كان ذلك المكان بللاً ذهب ذلك الوسواس.

وقيل: أراد بالانتضاح: الاستنجاء بالماء؛ لأن الغالب أنه كان من عادتهم أنهم يستنجون بالحجارة.

اهـ.

قلت: والحق أن المراد بالانتضاح في هذا الحديث هو الرش على الفرج بعد الوضوء، وكما يدل عليه ألفاظ أكثر الأحاديث الواردة في هذا الباب.

قوله: (وقال بعضهم) -أي: بعض الرواة-: (سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان) بالشك.

وقوله: (واضطربوا في الحديث) أي: في إسناد هذا الحديث.

قال الحافظ ابن الأثير: ورواه روح بن القاسم وشعبة وشيبان ومعمر وأبو عوانة وزائدة وجرير بن عبد الحميد وإسرائيل وهري بن سفيان مثل سفيان على الشك، وقال شعبة وأبو عوانة وجرير: عن الحكم أو ابن الحكم.

ورواه عامر وأصحاب الثوري على الشك، إلا عفيف بن سالم والفريابي، فإنهما روياه فقالا: الحكم بن سفيان من غير شك، ورواه زيد بن خالد عن منصور عن الحكم عن أبيه، ورواه مسعر عن منصور فقال: عن رجل من ثقيف.

ولم يسمّه.

وممن رواه ولم يشك: سلام بن أبي مطيع وقيس بن الربيع وشريك، فقالوا: عن الحكم بن سفيان، ولم يشكوا.

فالأرجح أنه الحكم بن شريك.

<<  <  ج: ص:  >  >>