للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم بول ما يؤكل لحمه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه.

حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة، وقال: اشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، فأُتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم، وألقاهم بالحرة قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكدُّ الأرض بفيه حتى ماتوا.

وربما قال حماد: يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا)].

وفي لفظ آخر: أن أنس قال: (إن هؤلاء سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله وارتدوا).

وفي هذا دليل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشربوا من أبوال الإبل، ولم يأمرهم بغسل أفواههم لكونها نجسة، فدل هذا على أنها طاهرة، أعني: بول الإبل والبقر والغنم وكل ما يؤكل لحمه.

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عليهم حد الحرابة، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمرت أعينهم كما فعلوا بالراعي، فقد سمروا عينه، وتُركوا في الحرة يَستسقون ولا يُسقون.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أنس رضي الله عنه].

قلت: هو في الصحيحين، وعند أبي داود والنسائي وابن ماجة.

والسمر هو: أن يحمى المسمار من الحديد بالنار ويوضع على أعينهم.

كما فعلوا بالراعي.

والمحاربون إذا تابوا بينهم وبين ربهم بعدما أخذوا تصح توبتهم، ويكون الحد مطهراً لهم.

فمن ارتد عن الإسلام ثم تاب بعد الردة وقبل الموت صحت توبته؛ لكن يقام عليه حد الحرابة؛ لقوله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة:٣٣]، فكل واحد تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، فأقام عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حد القصاص والحرابة والردة جميعاً، فالقصاص كان في سمر أعينهم، والحرابة في قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، والردة تركوا حتى ماتوا، ولما قطعت أيديهم وأرجلهم لم تحسم بالزيت، بل تركت تنزف دماً حتى ماتوا؛ لأنهم ارتدوا.

فإذا فعل شيئاً اقتص منه، وأما إذا قطع الطريق ولم يفعل شيئاً فتقطع يده ورجله من خلاف فقط.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو قول أكثر أهل العلم، قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه].

وهذا خلافاً للشافعي، فإنه يقول: بنجاسة بول ما يؤكل لحمه، وهذا قول ضعيف، والصواب قول أكثر العلماء.

وأما قول الشارح: وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية: ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره.

فلعله يعني بالجمهور هنا جمهور الشافعية، وأما جمهور العلماء فهم على خلاف هذا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سليمان التيمي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة).

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع.

وهو معنى قوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:٤٥]، وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود].

وهذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب القسامة من صحيحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>