للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الحسد والغبطة والفرق بينهما وحكمهما]

جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا حسد إلا في اثنتين) فالحسد كله حرام, والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم مشاكلة لفظية فقط، ولم يقصد المعنى الحقيقي للحسد, إنما المعنى هنا: أن تغبط إنساناً على ما آتاه الله، وفرق بين أن تغبط أحداً وبين أن تحسده, فمعنى أن تحسده: أن تتمنى زوال نعمته، وهذا حرام لا يجوز, ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أبداً.

ومعنى الغبطة: أن تتمنى أن يكون لك مثل ما لأخيك من نعمة، فتقول: بارك الله لك في نعمتك وأسأل الله أنْ يرزقني مثل ما رزقك، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الغبطة بهذا الوصف، فكونك تحسد إنساناً على شيء لا يجوز لك، ولكن في أمرين اثنين يجوز لك أن تغبطه, وهما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل) أي: رجل آتاه الله القرآن بأن حفظه وقام يصلي به في الليل, وليس شرطاً أن يكون حفظ القرآن كله؛ لأن الدرجات يوم القيامة عظيمة وكثيرة، وحسب ما تحفظ يقال لك: (اقرأ وارتق) فتصل إلى مرتبة بحسب ما تحفظ, فإذا وجدت إنساناً يحفظ القرآن ويعمل به تقول في نفسك: يا ليتني أعمل مثل هذا الإنسان، ويا ليتني أحفظ مثله، فتتمنى أن تكون مثل هذا الإنسان وتأخذ بالأسباب, وقد تصل أو لا تصل، ولكن الله يعلم من نيتك أنك تريد ذلك فيعطيك؛ لأن الله كريم وعظيم سبحانه وتعالى, فالعبد الذي يتمنى الخير لا يحرمه الله الخير؛ لأن الله أكرم من أن يحرم عبداً من عبيده, فالغبطة هي أن تتمنى منزلة إنسان وتحبُّ أن يبقى على ما هو عليه من المنزلة، هذا الأعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها؟) أي: ما هو الذي أعددته للساعة حتى تسأل عنها, فالرجل رجع على نفسه وشعر بشيء من الأسف على نفسه، فقال (والله ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة, ولكني أحب الله ورسوله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب، قال أنس راوي الحديث: فما فرحنا بشيء فرحنا بسؤال هذا الأعرابي أن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب، قال: أنس: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأحب أبا بكر وعمر , وأرجو أن أكون معهم).

فينبغي للمسلم أن يحب الصالحين؛ لعل الله أن يجعله معهم.

ففي الحديث السابق: (رجل آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل) فإذا رأيت هذا الإنسان فقد تعمل مثله, أو لعله يقوم بعملٍ أكثر منك فتحاول أنْ تفعل ما يفعله، فيعطيك الله الأجر على ذلك.

أما الثاني: (ورجل آتاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل والنهار) أي: أنه يتصدق في الليل والنهار، فإذا رأيته قلت: ليت الله يعطيني مالاً فأتصدق مثل هذا الإنسان, فلا حرج أن تتمنى على الله ذلك، ثم تحاول وتعمل, وليس مطلوباً منك أن تحقق هذه الأمنية؛ لأن النتيجة ليست عليك أبداً وإنما عليك السبب فقط, فقد تحاول أن تبحث عن عملٍ لعل الله يرزقك فتتصدق؛ فتذهب فلا تلقى عملاً فترجع، فنيتك هذه لن يضيعها الله عز وجل أبداً؛ لأنك نويت أن تعمل ثم تتصدق، فالله يحفظ ذلك لك وكأنك فعلت.

وقد روى أبو داوود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ تكون له صلاة بليل ويغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة) فانظر إلى كرم الله عز وجل, فالمرء إذا كان دائماً يقوم يصلي في الليل فنام وما قام الليل، فإن الله يكتب له أجر صلاته كأنه قام الليل، ونومه عليه صدقة.

إن الله كريم سبحانه, فاسألوه من فضله ومن رحمته, وأحسنوا الظن به, ومن أحسن الظن فليحسن العمل.

نسأل الله من فضله ورحمته فإنه لا يملكهما إلا هو.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.