للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل صيام يوم الإثنين والخميس]

ويستحب صوم يوم الإثنين والخميس، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن ذلك فقال: (إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس)، أي: تعرضها الملائكة على الله سبحانه وتعالى، وإن كان الله أدرى وأعلم بأعمال العباد وما تكتبه الملائكة قبل أن يخلق العباد، ولكن الله سجل على العباد بعد فعلهم حتى تكون شاهداً عليهم يوم القيامة، قال تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:١٤].

والكتاب هو ما كتبته الملائكة على بني آدم.

وأيضاً في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين)، أي: في كل أسبوع مرتين، فإن الملائكة تعرض الأعمال وترفع بها إلى الله عز وجل في يوم الإثنين ويوم الخميس (فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء)، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل للمسلم في غضبه ومخاصمته لأخيه المسلم ثلاثة أيام فقط، فلا يزيد عليها، فإن بين الاثنين والخميس ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فلا تطول الخصومة بينهما، ويرتفع في يوم الاثنين والخميس العمل ولا يغفر للمتشاحنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فيغفر لكل عبد مؤمن -يعني: في يوم الإثنين والخميس- إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا).

هذا إذا كان الغضب على الدنيا أو مخاصمة بين إنسان وآخر على الدنيا، فإذا كان هذا يستحق الهجر في الله سبحانه وتعالى فإنه يهجر؛ كأن يكون ظالماً أكل حقك ولا يريد أن يعطيك حقك فيهجر على ذلك، أما إذا كان لأمر من أمور الدنيا فلا يهجر أكثر من ثلاثة أيام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

وأيضاً جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال: (تعرض الأعمال يوم الإثنين ويوم الخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، هذا النبي صلى الله عليه وسلم وعمله كله خير صلوات الله وسلامه عليه ويريد أن تعرض أعماله في يوم الإثنين والخميس وهو صائم ويرفع عمله إلى الله سبحانه وتعالى.

كذلك جاء عنه في يوم الإثنين قال: (ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت وأنزل علي فيه)، فقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين ولم يعمل ضجة بين الصحابة، وكذلك الصحابة لم يعملوا هذه الضجة فاحتفال النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اليوم شكراً لله سبحانه تبارك وتعالى أن جعله عبداً له وجعله رسولاً ومن عليه وأكرمه سبحانه، ورباه وأدبه {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:٦ - ٨]، فكان يحتفل بصيام اليوم الذي ولد فيه صلوات الله وسلامه عليه، لكن الناس تناسوا هذا الشيء وإذا بهم يحتفلون بيوم الميلاد ويعملون ضجة ليكسبوا ذنوباً، وليقلدوا الكفار في ذلك، نسأل الله العفو والعافية.

وأيضاً يستحب صيام ثلاثة أيام مطلقة من كل شهر، سواء كان في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر)، وأيضاً (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يصوم الدهر قال: وددت أنه لم يطعم الدهر)، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر؛ لأن الدهر فيه خمسة أيام وهي: يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وثلاث أيام التشريق، وهذه الأيام يحرم الصوم فيها، فإذا صام الإنسان الدهر كله فإنه يأثم بذلك، (قالوا: فثلثيه -أي: ثلثي الدهر- فقال: أكثر -أي: هذا كثير قد يضعف العبد فيه نفسه ويتعبها- قالوا: فنصفه؟ قال: أكثر -يعني: إن شاء فعل وإن شاء ترك، ولكن هذا كثير- ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر)، وهذا من رأفته بالأمة صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال: (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى ونوم على وتر)، فأوصى أبا هريرة بصوم ثلاثة أيام مطلقة من كل شهر.

وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه -كما رواه الترمذي - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة، -غرة الشهر أوله- كل شهر ثلاثة أيام)، فصيام الثلاثة الأول من كل شهر حسن، وقل ما كان يفطر يوم الجمعة، فهذا بعض من صيام النبي صلى الله عليه وسلم.